في هذه المقالة وضحنا مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات، ووضحنا أهميته ومميزاته، ثم وضحنا أنواع مبدأ الفصل بين السلطات وهي الفصل المرن والفصل التام بين السلطات.
مبدأ الفصل بين السلطات و مونتسكيو
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم. مونتسكيو، لأنه استطاع أن يقدمه بصياغة دقيقة و بمعالم واضحة ومضبوطة في مؤلفه الشهير روح القوانين في الفصل الثامن من الجزء الحادي عشر منه، والذي صدر عام (1748م)، وبدوره قسم فيه السلطات إلى ثلاث هيئات: (السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية – السلطة القضائية)؛ وباختصار فإن كل شيء مهدد بالضياع عند مونتسكيو إذا ما اجتمعت السلطات الثلاث في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة، حتى ولو كانت قبضة الشعب ذاته، وعبر مونتسكيو عن ذلك بقوله “إن كل شيء سيضيع إذا مارس نفس الشخص أو نفس الهيئة – سواء أكانت مكونة من وجهاء البلاد ونبلائها أم من الشعب نفسه – هذه السلطات الثلاث”.
لكن هذا الفصل في السلطات الذي دعا إليه مونتسكيو لم يعتمد بنفس الصيغة عند تطبيقه من طرف الدول في الأنظمة المعروفة حاليا، حيث أدى هذا الاختلاف إلى ظهور أنظمة سياسية ثلاث هي:
- النظام المجلسي.
- النظام البرلماني.
- النظام الرئاسي.
وهذا تبعاً لطبيعة الفصل بين هذه الهيئات، فإذا كنا أمام فصل مطلق في السلطات فإننا بصدد النظام الرئاسي، وكلما كان هناك فصل مع تعاون كان النظام برلمانياً، وإذا كانت الهيمنة للسلطة التشريعية، وانبثقت منها هيئة تنفيذية كنا أمام النظام المجلسي.
تعريف الفصل بين السلطات
مبدأ الفصل بين السلطات هو توزيع وظائف الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات ومؤسسات مستقلة عن بعضها البعض ومتوازنة، حق لا ترتكز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها، وتستبد بالمحكومين وتقضي على حقوقهم؛ وذهب معظم فقهاء القانون العام إلى أن المفهوم الصحيح لمبدأ فصل السلطات – كما تصوره مونتسكيو- هو الفصل المتوازن بين السلطات العامة الثلاث في الدولة، مع قيام قدر من التعاون فيما بينها، لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام، ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل سلطة عند حدودها، دون أن تجاوزها أو تعتدي على سلطة أخرى.
مقالة ذات صلة: الفرق بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والعلاقة بينهم
الهدف من مبدأ الفصل بين السلطات
يراد من خلال الفصل بين السلطات في الدولة الديمقراطية مجابهة تركيز السلطة وتصعيب سوء استغلالها؛ وينبغي ضمان منع إمكانية احتكار سلطة الدولة في أحد مراكز القوى، وذلك من خلال الفصل الأفقي بين السلطات، بما يعني توزيع الشؤون التشريعية والتنفيذية والقضائية على تلك الهيئات المستقلة عن بعضها البعض والتي تمارس الرقابة المتبادلة فيما بينها، ولو لم يكن الأمر هكذا، فربما يستطيع الحاكم التخلص من كل رقابة فعالة، والتمتع بالتالي بسيادة غير مقيدة في وضع التعريف القانوني لوحده.
وهناك ما يسمى بالفصل الزمني بين السلطات (الذي يعني التحديد الزمني لمدة الحاكم) إلى جانب الفصل الأفقي، وينبغي أن يحول الفصل الزمني دون توسيع السلطة في مركز من مراكز القوى؛ والتصميم المضبوط لعملية الفصل الأفقي بين السلطات من وجهات النظر الدستورية التاريخية والسياسية الثقافية والعملية هو بحد ذاته مختلف جزئيا وبشدة، وفقا لاختلاف النظم الديموقراطية وأنماطها.
مقالة ذات صلة: دولة القانون – مفهوم دولة القانون ومبادئها ومرتكزاتها وضماناتها
مبدأ الفصل بين السلطات ونظم الحكم
يعد الفصل الصارم بين السلطات سمة العلاقة بين البرلمان والحكومة في النظام الرئاسي،حيث يسود التداخل بدرجة ضئيلة أو كبيرة بين هذه السلطات في نظام الحكم البرلماني، نظرا للاحتكاك الوثيق بين الحكومة والأغلبية البرلمانية؛ وحتى ولو أن هناك فروقا بين دولة و أخرى بخصوص منزلة الهيئة القضائية مقابل الهيئتين التشريعية والتنفيذية، إلا أن استقلالية الهيئة القضائية تعد في جميع الدول مسألة جوهرية؛ حيث يتبع هذه الهيئة سلك قضائي إداري خاص بها، حيث يمكن لكل شخص اللجوء إليه من أجل الشكاية ضد ممارسة سيادته، أو ضد إهمال (ممارسة مطلوبة) أيضا.
وإلى جانب الفصل الأفقي بين السلطات في دول اتحادية كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، فإن الفصل العمودي بين هذه السلطات في الدولتين هام أيضا؛ فلا تتموضع فيهما الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية على مستوى حكومي شامل فحسب، بل إنها ممثلة – بصلاحيات ذاتية – في أجزاء من الدولتين أيضا. وبالإضافة إلى ذلك فإن الولايات المكونة للدولة في النظم الاتحادية تحظى بنصيب من صلاحيات التشريع على مستوى الاتحاد (وكذلك فإنها تشارك جزئيا في الشؤون الإدارية) في الوقت ذاته.
في الولايات المتحدة تنتدب كل ولاية عضوين منتخبين مباشرة لتمثيلها في (مجلس الشيوخ)، وهو المجلس الثاني من البرلمان الاتحادي (الكونغرس)؛ ومن جانب آخر فإن الولايات الألمانية تشارك عبر مجلس ممثلي الولايات (بونديسرات) في صلاحيات التشريع على مستوى الإتحاد، وتستطيع هذه الولايات حينما تتوفر الأغلبية المواتية لها أن تحد من سلطة الحكومة الاتحادية في عملية التشريع، وذلك عندما تكون موافقة مجلس ممثلي الولايات لازمة بالضرورة. وينطبق هذا الأمر مبدئيا في حالات عديدة، ومنها الحالة المتعلقة بتغيير القانون الأساسي، والمقصود به دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية.
أنواع الفصل بين السلطات
الفصل التام
في الفصل التام بين السلطات تكون السلطة التشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية، إذ لا يملك رئيس الدولة، بصفته الحاكم، حق دعوة البرلمان للانعقاد أو رفض انعقاده أو حله؛ ويباشر البرلمان وظيفته التشريعية باستقلال تام بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية اقتراح القوانين وإعداد ميزانية الدولة، ولا تستطيع السلطة التنفيذية حل البرلمان؛ كما أن لا يجوز الجمع بين منصبي وزير وعضو في البرلمان، كما أن أعضاء السلطة التنفيذية مسؤولون مسؤولية كاملة أمام رئيس الدولة وليس أمام البرلمان.
لكن هذا الفضل التام ليس مطلق، فهناك بعض الاستثناءات، كمنح رئيس الدولة حق الاعتراض على مشاريع القوانين التي يقرها البرلمان ولكن يحوز تمرير مشروع القانون بعد تحقيق اغلبية معينة كأغلبية الثلثين رغم اعتراض رئيس الجمهورية، في مقابل موافقة البرلمان على تعيين كبار القضاة والموظفين في الدولة وعلى نفاذ المعاهدات الدولية.
مقالة ذات صلة: نظام الحكم في أمريكا – المبادئ الدستورية والرئيس والكونجرس
الفصل المرن بين السلطات (التعاون والتوازن بين السلطات)
ويكون هذا النوع من الفصل بين السلطات في الدول التي تعتنق النظام البرلماني، ومن أبرز مظاهر هذا النوع من الفصل هو أن اقتراح مشاريع القوانين يكون للسلطة التنفيذية ومشاركة أعضاء هذه السلطة في مناقشتها أمام البرلمان والتصويت عليها وحقها في إصدار ما تقرره السلطة التشريعية من قوانين. كما أن الوزراء يحضرون جلسات البرلمان ويشرحون سياسة الحكومة في مسألة معينة، كما يستطيع البرلمان تشكيل لجان تحقيق برلمانية للتحقيق في عمل حكومي صادر عن السلطة التنفيذية؛ ويحق لأعضاء البرلمان توجيه أسئلة أو استجواب بشأن السياسة العامة لأعضاء السلطة التنفيذية، وسحب الثقة من الوزراء وإسقاطهم، كما تملك السلطة التنفيذية في المقابل الحق في حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة لتعيين برلمان جديد.
مقالة ذات صلة: نظام الحكم في بريطانيا – الدستور والملكة والبرلمان
مميزات نظام الفصل بين السلطات
- منع الاستبداد بالسلطة واحتكارها بسبب عدم وجود جميع السلطات فى يد شخص او هيئة واحدة.
- تطبيق دولة القانون بحيث سيكون القانون مطبق علي الجميع بسبب استقلالية القضاء واستقلالية السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، وفى النهاية الشعب يراقب الجميع لأن السلطة التشريعية ستكون منتخبة من الشعب ورأس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية / رئيس الوزراء) منتخب من الشعب.
- تحسين أداء الوظائف فى الدولة بسبب مبدأ تقسيم العمل، لأن كل سلطة ستتخصص فى مجالها ومهامها وستمارسها بإتقان
فى النهاية اخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.