في هذه المقالة وضحنا في البداية تعريف القانون، وتعريف الحق، ثم القينا الضوء على أنواع الحقوق، ثم وضحنا أنواع الحقوق المالية وهي الحقوق العينية، والحقوق الشخصية، ثم ناقشنا أنواع الحقوق العينية بالتفصيل وهي الحقوق العينية الأصلية والحقوق العينية التبعية؛ فقد وضحنا المقصود بالحقوق العينية الأصلية وأنواعها وهي الملكية، والانتفاع، والاستعمال، والسكنى، والارتفاق، والحكر؛ ثم وضحنا المقصود بالحقوق العينية التبعية، ومميزاتها، وأنواعها وهي الرهن الرسمي والرهن الحيازي وحق الإختصاص وحق الأمتياز.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
تعريف الحق
الحق هو استئثار شخص بميزة معينة استئثارًا يحميه القانون؛ فالحق استئثار، أي أن الميزة تنسب لصاحب الحق، وتثبت له دون غيره؛ والميزة التي يستأثر بها صاحب الحق هي عبارة عن سلطات معينة يمارسها بقصد إشباع مصلحة معينة، فالميزة هنا تتضمن وسيلة وغاية، ولا يقتصر معناها على السلطة وحدها أو المصلحة بمفردها، فمالك الأرض يستأثر بميزة معينة هي سلطاته في استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه بغرض تحقيق مصلحة معينة له من الاستعمال أو الاستغلال أو التصرف.
والميزة، سواء باعتبارها وسيلة أو غاية، يجب أن تكون مشروعة، وإن كنا لم نورد ذلك في التعريف، فإن ذلك مفهوم ضمنا، وبحكم الضرورة؛ لأن صاحب الحق إذا استخدم سلطاته لتحقيق مصلحة غير مشروعة فإن القانون لن يحمي له استئثاره بميزته، لأننا نكون قد خرجنا عن نطاق الحق. والقانون يحمي استئثار الشخص بالميزة، وهو إذ يحمي هذا الاستئثار، فإن ذلك يفترض بالضرورة أنه يقره لأنه لا يتصور أن يحمي القانون ميزة معينة لشخص وهو لا يقرها.
والنتيجة الطبيعية للاستئثار بالميزة هي وجوب احترام الغير للحق، سواء في صورة واجب سلبي عام يقع على عاتق الكافة، باحترام الحق أو في صورة واجب خاص يقع على عاتق المدين بالوفاء بدينه لصاحب الحق الشخصي؛ والتزام الغير باحترام الحق مصدره القانون الذي يحمي الاستئثار بالميزة، فلم يكن من المتصور أن يقر القانون استئثار شخص بميزة ثم يتركه دون حماية ضد اعتداء الغير.
مقالة ذات صلة: الحق: تعريفه، أنواعه، أركانه، مصادره، أشخاصه، محله
أنواع الحقوق
تختلف الحقوق من حيث طبيعتها وخصائصها، ولذلك فإن الفقه يقسمها تقسيمات متعددة، ولكننا نفضل تصنيفها حسب طبيعة القيمة التي تشكل مضمون الحق، فهناك حقوق يمكن تقدير قيمتها بالنقود، وأخرى لا يمكن تقويمها بالنقود، فمثلا إذا كنت تملك سيارة فإن حق ملكيتك عليها يمكن أن يقدر بالمال، فنقول مثال إن هذه السيارة قيمتها ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف، وعلى العكس من ذلك، فإنه لا يمكن القول بأن حقك في سلامة جسمك أو حق الأب في تأديب ابنه يساوي مبلغا معين؛ والنوع الأول من الحقوق الذي يمكن تقويمه بالنقود يسمى حقا ماليا، أما النوع الثاني من الحقوق فيسمى حقا غير مالي.
بيد أن هناك نوعا ثالثا من الحقوق له جانبان: جانب يمكن تقديره بالنقود، وجانب غير مالي، أي لا يقدر بالنقود؛ ولذلك يمكن تسمية هذا النوع من الحقوق حقوقا ذات طبيعة مزدوجة، أو مختلطة، وهذا يصدق على الحقوق الذهنية أو المعنوية. وبالتالي توجد ثلاث أنواع للحقوق:
- النوع الأول: الحقوق غير المالية.
- النوع الثاني: الحقوق المالية.
- النوع الثالث: الحقوق ذات الطبيعة المزدوجة.
الحقوق المالية
الحقوق المالية هي الحقوق التي يمكن تقويم محلها بالنقود، وإذا انصب الحق المالي على شئ مادي سمى حقا عينيا، وذلك مثل حق الملكية الذي يقع على سيارة أو منزل مثلاً، وقد يرد الحق المالي على عمل أو امتناع عن عمل يقوم به شخص لحساب صاحب الحق، وعندئذ يسمى الحق حقا شخصياً؛ وعلى ذلك فإن الحقوق المالية تنقسم إلى حقوق عينية وحقوق شخصية.
تعريف الحقوق الشخصية
الحق الشخصي هو رابطة بين شخصين، تخول أحدهما، وهو الدائن أن يطالب الآخر، وهو المدين بأن يقوم بعمل أو يمتنع عن عمل؛ ومثال الحق الشخصي، حق الدائن بمبلغ من النقود في مطالبة مدينه بدفع هذا المبلغ، وحق المستأجر في مطالبة المؤجر بتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة، وحق المؤجر في أن يدفع له المستأجر الأجرة، وحق العامل تجاه رب العمل في أجره.
ويتميز الحق الشخصي بأنه لا يمنح الدائن سلطة مباشرة على شيء معين، كالحق العيني، وإنما يمنحه فقط الحق في مطالبة المدين بأن يؤدي له عمال معيناً أو يمتنع لصالحه عن أداء عمل؛ ولذلك فإن تدخل المدين ضروري لكي يحصل الدائن صاحب الحق على الميزات التي يخولها له هذا الحق، فإذا اتفق شخص مع مقاول على أن يقوم المقاول ببناء عمارة لهذا الشخص، فإن صاحب العمارة يكون له حق تجاه المقاول مضمونه عمل معين، هو بناء العمارة، وهو لا يستطيع الحصول عليه دون تدخل المقاول وقيامه بهذا العمل وهو البناء.
والحق الشخصي يمكن أن يكون محله عملا أو امتناعا عن عمل؛ أما العمل فهو ما يتضح من الأمثلة السابقة، مثل بناء العمارة مثلا، أما الامتناع عن العمل فمثاله أن يشترط المشتري لمحل أثاث على بائع هذا المحل أن يمتنع هذا الأخير عن منافسة المشتري في حدود منطقة معينة بألا يفتح محال للأثاث في هذه المنطقة، أو يتفق مسرح مع ممثل على ألا يقوم بالتمثيل لدى مسارح أخرى في نفس المدينة.
تعريف الحقوق العينية
الحق العيني هو سلطة مباشرة لشخص على شيء مادي معين بالذات، تمكنه من القيام بأعمال معينة على هذا الشيء تحقيقا لمصلحة معينة؛ ومثاله حق الملكية، وحق الارتفاق، وحق الرهن. وتتميز الحقوق العينية بأنها تقع على شيء مادي، كسيارة أو منزل، وبأنها تمنح صاحبها سلطة مباشرة على الشيء، بحيث يستطيع أن يستفيد منه دون تدخل الغير، فالذي يملك سيارة مثلاً يستطيع أن يستخدمها في تنقلاته، أو يؤجرها للغير مقابل مبلغ معين أو يبيعها أو يرهنها أو يهبها، وذلك كله دون اقتضاء تدخل الغير لقيامه بهذه الأفعال و التصرفات.
أنواع الحقوق العينية
تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية وحقوق عينية تبعية، فالحقوق العينية الأصلية هي التي تنشأ مستقلة بذاتها دون أن تستند إلى حق آخر، وهي تشمل: حق الملكية، وحق الانتفاع، وحق الارتفاق، وحق الاستعمال، وحق السكنى، وحق الحكر؛ أما الحقوق العينية التبعية فهي التي تقوم مستندة إلى حق شخصي تكون تابعة له و ضامنة للوفاء به، وهي تشمل حق الرهن الرسمي، وحق الرهن الحيازي، وحق الاختصاص، وحق الامتياز. وفيما يلي نتكلم عن الحقوق العينية الأصلية، ثم ندرس الحقوق العينية التبعية.
الفرع الأول – الحقوق العينية الأصلية
سبق أن قلنا إن الحقوق العينية الأصلية هي التي تقوم مستقلة بذاتها دون أن تكون تابعة لحق آخر؛ وقلنا إنها تشمل الملكية، والانتفاع، والاستعمال، والسكنى، والارتفاق، والحكر.
أولاً:- حق الملكية
حق الملكية هو حق الشخص وحده في أن يستعمل الشيء ويستغله ويتصرف فيه، ويعتبر حق الملكية أهم الحقوق لأنه يمنح المالك أوسع السلطات الممكنة بالنسبة للشيء محل الحق، فهو يتضمن ثلاثة عناصر تعبر عن كل ما يمكن أن يفعله الشخص بالنسبة لشئ معين؛ وهذه العناصر هي:
1. الاستعمال
الاستعمال يقصد به القيام بالأعمال المادية للافادة مباشرة من الشئ، بحسب طبيعته، فاستعمال السيارة يكون بركوبها، واستعمال المنزل يكون بسكناه، واستعمال الأرض الزراعية يكون بزراعتها.
2. الاستغلال
الاستغلال هو الاستفادة من ثمار الشيء دون المساس بأصله، وهذا يمثل الانتفاع غير المباشر بالشيء، والثمار قد تكون طبيعية، وهي التي ينتجها الشيء دون تدخل الإنسان، كثمار الأشجار ونتاج الحيوان، وقد نكون مستحدثة أي ناتجة بفضل جهد الإنسان، كالمحاصيل الزراعية، وقد تكون قانونية وهي المقابل النقدي الذي يحصل عليه المالك مقابل السماح للغير بالانتفاع بملكه كتأجير سيارة أو أرض زراعية أو شقة للسكن.
3. التصرف
والتصرف في الشئ قد يكون ماديا وقد يكون قانونيا؛ أما التصرف المادي، فهو التغيير في مادة الشيء محل الملكية، كشق طريق في أرض زراعية، أو هدم منزل أو إقامة غيره مكانه، أو تحويل الدقيق إلى خبز؛ أما التصرف القانوني، فهو نقل ملكية الشيء إلى شخص آخر أو ترتيب حق عيني عليه لهذا الشخص، وذلك مثل بيع السيارة، أو رهن المنزل، أو الأرض الزراعية، أو هبة حقيبة إلى صديق. وعنصر التصرف هذا هو الذي يميز حق الملكية عن سائر الحقوق العينية عموما وعن باقي الحقوق العينية الأصلية بصفة خاصة؛ لأن الحقوق العينية الأخرى تنصب على عنصري الاستعمال والاستغلال أو أحدهما أو حتى بعض مظاهر الاستعمال، ولا تعطي هذه الحقوق لصاحبها أي سلطة تصرف في الشيء ذاته.
ويتميز حق الملكية بأنه حق دائم، بمعنى أنه لا يزول بعدم الاستعمال، فإذا ترك المالك ملكه بدون استعمال فترة معينة، فلا يترتب عليه سقوط حق ملكيته، ويقال في هذا الصدد إن الملكية لا يرد عليها التقادم المسقط، ولكن إذا حاز شخص آخر شيء يملكه الغير وتوافرت في هذه الحيازة شروط معينة، فإن هذا الشخص يمتلك ذلك الشيء بمضي المدة أي التقادم المكسب.
ثانياً:- حق الانتفاع
حق الانتفاع هو حق عيني أصلي مقرر لشخص على شيء مملوك للغير، ويخوله استعمال هذا الشيء، واستغلاله دون التصرف فيه.
فحق الانتفاع يتضمن عنصرين من عناصر حق الملكية هما: الاستعمال والاستغلال، أما عنصر التصرف، فيبقى لمالك الشئ، وعندئذ يسمى مالك الرقبة؛ فالشخص الذي يتقرر له حق انتفاع على قطعة أرض زراعية يكون له زراعة هذه الأرض أو تأجيرها للغير مقابل مبلغ معين يتقاضاه، والذي يكون له حق انتفاع على سيارة يكون من حقه استعمالها بركوبها وحق تأجيرها للغير بمقابل أو استعمالها لنقل الركاب مقابل أجرة، لكن ليس للمنتفع في هذين المثالين أن يبيع أو يرهن الأرض أو السيارة؛ لأن ذلك من قبيل التصرف في الشيء، وهذا ليس من سلطة المنتفع وإنما من سلطة مالك الرقبة.
وينشأ حق الانتفاع بمقتضى العقد، كما يمكن أن يكون مصدره الشفعة أو الوصية أو التقادم؛ ومن خصائص حق الانتفاع أنه مؤقت بطبيعته، ينتهي بانتهاء المدة المحددة له، وهو ينتهي حتما بوفاة المنتفع حتى لو حدثت هذه الوفاة قبل مضي المدة المحددة للانتفاع، فإذا منح المالك حق انتفاع على أرضه لشخص آخر لمدة 4 سنوات، ولكن بعد سنتين توفي المنتفع، فإن حق الانتفاع ينقضي رغم عدم انتهاء المدة المحددة، فلا ينتقل إلى الورثة، ولذلك يقال إن حق الانتفاع حق عمري أي ينتهي بانتهاء عمر المنتفع.
ويتميز حق الانتفاع عن حق المستأجر لأن الأول يخول صاحبه سلطة مباشرة على الشيء محل الانتفاع يستطيع بمقتضاها أن يستفيد من هذا الشيء باستعماله واستغلاله، وذلك دون اقتضاء تدخل من المالك، فكل ما يلتزم به المالك هو ترك المنتفع يمارس سلطاته على الشيء، وهو واجب سلبي، ولا يلتزم بتمكين المنتفع من الانتفاع بالعين؛ وعلى العكس من ذلك فإن حق المستأجر حق شخصي، أي لا يعطي المستأجر سلطة مباشرة على العين المؤجرة، وإنما لابد من تدخل المؤجر لكي يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين، ومن هنا ألقى القانون على عاتق المؤجر التزاماً إيجابيا، وهو تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة.
ثم إن حق المستأجر يمكن أن ينتقل إلى الورثة، فإذا استأجر شخص شقة وسكن بها يستطيع ورثته الاستمرار في شغلها مقابل دفع الأجرة، وهذا عكس الانتفاع، الذي ينتهي حتما بوفاة المنتفع، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
ثالثاً:- حق الاستعمال وحق السكنى
حق الاستعمال، وهو حق عيني أصلي، يخول صاحبه استعمال شيء مملوك للغير دون استغلاله أو التصرف فيه؛ أما حق السكنى، فهو حق عيني أصلي يخول صاحبه سلطة سكنى دار مملوكة للغير دون أن يكون له استعمالها لغرض آخر أو استغلالها أو التصرف فيها.
ويبدو من تعريف حق الاستعمال وحق السكنى أنهما ينصبان على عنصر واحد فقط من عناصر الملكية، وهو عنصر الاستعمال، بل إن حق السكنى يرد على وجه واحد فقط من أوجه استعمال الشيء، وهو السكنى؛ ولذلك فهما أضيق من حق الانتفاع الذي يتضمن، كما سبق بيانه، سلطتي الاستعمال والاستغلال.
وقد حدد القانون سلطات صاحب حق الاستعمال وصاحبي حق السكنى، فنص على أن نطاق حق الاستعمال وحق السكنى يتحدد بمقدار ما يحتاج إليه صاحب الحق هو وأسرته لخاصة أنفسهم (مادة ٩٩٦ مدني)؛ وعلى ذلك فإن من تقرر له حق استعمال على سيارة مملوكة للغير يجوز له أن يركبها هو وأسرته فقط، ولكن لا يحق له أن يؤجرها للغير، ومن باب أولى لا يحق له أن يتصرف فيها بالبيع، ومن تقرر له حق سكنى دار معينة يقتصر انتفاعه بهذه الدار على سكناها هو وأسرته، إنما لا يصح أن يسمح للغير بالسكن فيها أو يؤجرها لهم؛ ولذلك يقال عادة إن حق الاستعمال وحق السكنى من الحقوق الشخصية، أي الحقوق المقصورة على شخص صاحبها وأسرته.
وبناء على ذلك فإنه كقاعدة عامة لا يجوز النزول عن حق الاستعمال أو حق السكنى، ولكن أجاز القانون استثناء هذا التنازل، إذا كان ذلك بناء على شرط صريح أو مبرر قوي (مادة ٩٩٧ مدني)؛ وينشأ حق الاستعمال وحق السكنى، وينقضي كل منهما بالأسباب التي ينشأ وينقضي بها حق الانتفاع، ولذلك فإنهما ينقضيان بموت صاحبهما أو انقضاء مدتهما أو هلاك الشيء الذي يرد عليه الحق.
رابعاً:- حق الحكر
حق الحكر حق مستمد من الشريعة الإسلامية، وهو حق عيني أصلي يخول صاحبه الانتفاع بأرض موقوفة، عن طريق الغراس (ما يُغرَس من الشَّجر) أو البناء فيها لمدة لا تزيد عن ستين سنة، وذلك مقابل أجرة المثل، ويكون من حق المحتكر أن يمتلك الغراس أو البناء.
ويشترط لنشوء حق الحكر أن يكون محله أرضا موقوفة، وأن يتقرر لضرورة أو مصلحة، كأن نكون الأرض الموقوفة خربه والانتفاع بها متعطل، ولا يوجد لدى الوقف ريع يمكن أن تصلح به هذه الأرض؛ وعلاوة على ذلك فإن الحكر لابد أن يتم بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية الشرعية التي تقع في دائرتها الأرض كلها أو أكثرها قيمة، وأن يتم عقد التحكير على يد رئيس هذه المحكمة أو من يحيله عليه من القضاة أو الموثقين، ويجب شهره وفقا لأحكام قانون تنظيم الشهر العقاري (مادة 1000 مدني).
والسلطات التي يخولها حق الحكر لصاحبه هي، كما قلنا، حق الغراس في الأرض والبناء فيها، وحق تملك الغراس أو البناء؛ وهو حق قابل للانتقال، إذ يجوز للمحتكر أن يتصرف في حق الحكر وحده، منفردا أو بالإضافة للبناء والغراس، كما أن هذا الحق ينتقل بالميراث، خلافا لحق الانتفاع وحقي الاستعمال والسكنى. هذا وقد ضاق نطاق الحكر في الوقت الحاضر، وخاصة منذ إلغاء الوقف الأهلي، لأن انتهاء الوقف يترتب عليه انتهاء حق الحكر.
خامساً:- حق الارتفاق
حق الارتفاق هو تكليف يحد من منفعة عقار لمصلحة عقار آخر مملوك لشخص غير مالك العقار الأول، ومثاله حق المرور، أي حق صاحب العقار غير المتصل بالطريق العام في أن يمر في أرض الجار التي توصله إلى الطريق العام؛ ويشترط لوجود حق الارتفاق أربعة شروط:
- أن يوجد عقاران يتقرر التكليف على أحدهما، ويسمى العقار الخادم، لمصلحة الآخر، ويسمى العقار المخدوم، ومثال ذلك قطعتي أرض متجاورتين.
- أن يكون العقاران مملوكين لشخصين مختلفين، أما لو كان مالك العقاريين واحدا، فلا يوجد حق ارتفاق، حتى لو خصص المالك أحد العقارين لخدمة الآخر، كما لو جعل من قطعة أرض يملكها ممرا للوصول إلى قطعة أخرى أو إلى منزله.
- أن يكون التكليف مقرر على العقار نفسه، وليس على مالكه؛ وبناء على ذلك، لو التزم جار بأن يحرث أرض جاره، فلا نكون بصدد حق ارتفاق، لأن التكليف مقرر على عاتق الجار وليس على أرضه.
- أن نكون الخدمة مقررة لمنفعة العقار الآخر وليس لمنفعة مالكه، ولذلك لو منح أحد الجيران لجاره حق الصيد في حديقته أو التنزه فيها، فإننا لا نكون بصدد حق ارتفاق، لأن التكليف مقرر لخدمة الجار وليس لخدمة عقاره.
وينشأ حق الارتفاق بالعمل القانوني، كالعقد وبالميراث، وأيضاً بتخصيص المالك الأصلي، وتخضع حقوق الارتفاق للأحكام المقررة في سند إنشائها؛ ولما جرى به العرف (مادة ٩ ٠١ ١ مدني) على أن لصاحب حق الارتفاق أن يجرى من الأعمال ما هو ضروري لاستعمال حقه في الارتفاق، وما يلزم للمحافظة عليه، وأن يستعمل هذا الحق على الوجه الذي لا ينشأ عنه إلا أقل ضرر ممكن (مادة ٠٢٠ ١ مدني). وينقضي حق الارتفاق بانقضاء الأجل المعين وبهلاك العقار الخادم أو العقار المخدوم باجتماع العقاريين في يد مالك واحد (مادة ٠٢٦ ١ مدني). كما ينقضي بالتقادم الطويل المدة (مادة ٠٢٧ ١ مدني).
الفرع الثاني – الحقوق العينية التبعية
قلنا فيما سبق إن الحق العيني التبعي هو الذي يقوم مستندا إلى حق شخصي لكي يضمن الوفاء به، ولإيضاح وظيفة الحقوق التبعية نذكر أن حق الدائن تجاه مدينه تضمنه كل أموال المدين، فإذا كان مثلاً شخص اسمه زياد مدينا لك بمبلغ ألف جنيه مثلاً، فإن جميع أموال زياد تكون ضامنة للوفاء بهذا الدين، بمعنى أنك تستطيع إذا لم يدفع زياد المبلغ في الميعاد المتفق عليه أن تحجز على أي مال من أمواله، وتباع هذه الأموال بالمزاد العلني جبرا عنه، ومن حصيلة الثمن تستطيع أن تحصل على الحق الذي لك.
ولكن الدائن يمكن أن يواجه احتمال عدم استيفاء دينه من المدين إذا تصرف هذا الأخير في أمواله قبل الحجز؛ فعندئذ تفلت هذه الأموال من الضمان العام للدائن، فلا يستطيع الحجز عليها؛ ومن ناحية أخرى قد يحصل الدائن على حكم ضد مدينه، ولكن عند الحجز على أموال المدين يجد الدائن أن هناك دائنين آخرين لنفس المدين يريدون توقيع الحجز، واستيفاء حقوقهم أيضا.
وقد تكون قيمة أموال المدين أقل من مجموع الديون التي في ذمته، وعندئذ يتعرض الدائنون لخطر آخر، وهو أن كلا منهم لن يستوفي حقه كاملا؛ لأنهم سيقسمون المبلغ المتحصل من بيع هذه الأموال قسمة غرماء، أي أن كلا منهم سيأخذ جزءا من حقه يعادل النسبة بين قيمة هذا الحق إلى مجموع الديون، فمثلا لو أن المدين له أموالاً قيمتها ثلاثة آلاف جنيه، ولكن له ثلاثة دائنين: الأول، دائن له بثلاثة آلاف جنيه، والثاني، بألفين، والثالث بألف، في هذه الحالة سيوزع ثمن أموال المدين بعد بيعها على هؤلاء الثلاثة بنسبة ثلاثة إلى اثنين إلى واحد، فيأخذ الدائن الأول ألف وخمسمائة جنيه، والثاني ألف جنيه، والثالث خمسمائة جنيه؛ وبذلك يكون كل دائن منهم قد فقد نصف حقه.
وينضح إذا من العرض السابق أن الدائن يمكن أن يواجه صعوبتين في استيفاء دينه، وهما احتمال أن يتصرف المدين في أمواله، فلا يستطيع الدائن الحجز عليها، واحتمال أن يكون المدين معسرا، أي لا تكفي أمواله للوفاء بديونه، فيدخل الدائن في قسمة الغرماء، ويفقد جزءا من حقه؛ ولمواجهة هذين الاحتمالين قام الحق العيني التبعي بيضمن للدائن الوفاء بحقه كاملا من أموال المدين، لأن الحق العيني التبعي هو عبارة عن سلطة مباشرة للدائن على مال معين من أموال المدين، تخول له حق تتبع هذا المال في أي يد يكون، وحق استيفاء دينه من ثمن هذا المال بالأولوية على سائر الدائنين.
مميزات الحق العيني التبعي
فالحق العيني التبعي يمنح ميزتين للدائن:
أولاُ: ميزة التتبع
أي حق الدائن في تتبع المال الذي يقع عليه الحق العيني التبعي في يد أي شخص انتقل إليه هذا المال من المدين. وعلى ذلك إذا تقرر لك حق رهن على سيارة مملوكة لمدينك، وباع المدين هذه السيارة لشخص آخر، فإن من حقك تتبعها في يد الشخص الآخر لتحجز عليها وتستوفى حقك من ثمنها.
ثانيا: ميزة الأفضلية والأولوية
ومعناها أنه إذا لم يف المدين لك بالدين الذي عليه، فإن من حقك أن توقع حجزا على المال الذي لك عليه حق عيني تبعي، كالرهن مثلاُ، وليكن منزلاُ أو سيارة؛ ومن ثمن هذا المنزل أو تلك السيارة تستطيع أن تستوفى حقك كاملا قبل سائر الدائنين، أي لا تدخل معهم في قسمة الغرماء، ولكن تبدأ بقبض حقك كاملاُ، بصرف النظر عما سيبقى بعد ذلك من الثمن، وهذا ما يسمى بحق الأفضلية أو الأولوية، لأنك تستوفى حقك بالأولوية على الدائنين الآخرين.
أنواع الحقوق العينية التبعية
والحقوق العينية التبعية أربعة أنواع هي:
- الرهن الرسمي.
- الرهن الحيازي.
- حق اختصاص.
- حق الامتياز.
أولاً:- الرهن الرسمي
الرهن الرسمي عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون (مادة ١٠٣٠ مدني). ويتضح من هذا التعريف الأمور التالية:
- أن الرهن الرسمي ينشأ عن عقد، وهذا العقد يتم بين الدائن المرتهن والمدين الراهن، ويشترط حتى ينشأ الرهن الرسمي أن يكون هذا العقد رسميا، أي يحرره موظف مختص هو الموثق في الشهر العقاري.
- أن الرهن الرسمي حق عيني تبعي يمنح صاحبه ميزتي الأولوية والتتبع، فالدائن المرتهن يستطيع أن يتتبع العقار المرهون في أي يد يكون ليوقع حجزا عليه، ويستوفي من ثمنه حقه بالأولوية على سائر الدائنين العاديين والدائنين أصحاب التأمينات العينية التاليين له في المرتبة.
- الرهن الرسمي لا يقرر إلا على عقار، فهو لا يرد على المنقول.
- الرهن الرسمي لا يقتضي انتقال حيازة العقار المرهون إلى الدائن المرتهن، بل يبقى لدى المدين الراهن.
هذا ويجب شهر الرهن الرسمي، أي قيده في السجلات المعدة لذلك في مكاتب الشهر العقاري، وذلك حتى يكون نافذا في حق الغير، وبالتالي يستطيع أن يتمسك بميزتي التتبع والأولوية اللتين يوفرهما له هذا الرهن.
ثانياً:- الرهن الحيازي
“الرهن الحيازي هو عقد به يلتزم شخص، ضمانا لدين عليه أو على غيره، أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا، يخوله حبس الشيء لحين استيفاء الدين، وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في اقتضاء حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون” (مادة ١٠٩٦ مدني). ومن هذا التعريف تتضح مميزات الرهن الحيازي:
- الرهن الحيازي ينشأ عن عقد، كالرهن الرسمي، ولكن لا يشترط في هذا العقد الرسمية التي تشترط في العقد المنشئ للرهن الرسمي.
- حق الرهن الحيازي يرد على العقار كما يرد على المنقول.
- الرهن الحيازي يؤدي لانتقال حيازة الشيء المرهون من المدين الراهن إلى الدائن المرتهن، حيث يلتزم هذا الأخير بصيانة الشئ، وله أن يستعمله ويستثمره، على أن يخصم صافي عائد الاستثمار من الدين وفوائده.
- يمنح حق الرهن الحيازي الميزتين اللتين تمنحهما كافة الحقوق العينية التبعية، وهما التتبع والأفضلية، وعلاوة على ذلك فإن الدائن من حقه حبس هذا الشيء لديه حتى يستوفي حقه كاملا؛ ولكن يجب في حالة ما إذا كان المال المرهون عقارا أن يقوم الدائن بقيد حق الرهن بالشهر العقاري حتى يستطيع الاحتجاج به في مواجهة الغير.
ثالثاً:- حق الإختصاص
حق الاختصاص هو حق عيني تبعي ينشأ على عقار مملوك للمدين، ويحصل عليه الدائن الذي بيده حكم واجب النفاذ بمقتضى أمر من رئيس المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها العقار؛ ويتميز حق الاختصاص بالأمور الآتية:
- أنه ينشأ بأمر القاضي، فليس مصدره عقد كالرهن الرسمي أو الرهن الحيازي.
- يشترط لتقريره أن يكون بيد الدائن حكم واجب النفاذ يلزم المدين بشيء معين.
- يشبه حق الرهن الرسمي في أنه لا يرد إلا على عقار، وأنه لا يؤدي إلى نقل حيازة العقار إلى الدائن، وإنما تبقى بيد المدين، وأخيرا في أنه يمنح الدائن نفس الحقوق التي يمنحها له الرهن الرسمي.
وغني عن الذكر أنه يمنح الدائن ميزتي الأولوية، والتتبع ومادام حق الاختصاص يرد على العقارات فقط، فإنه يجب قيده حتى يحتج به على الغير.
رابعاً:- حق الامتياز
حق الامتياز هو أولوية يقررها القانون لحق معين مراعاة منه لصفته، ولا يكون للحق امتياز إلا بمقتضى نص في القانون (مادة ١٣٠ مدني)؛ ويتميز حق الامتياز بالخصائص الآتية:
- حق الامتياز مصدره نص القانون، فلا امتياز إلا بنص (مادة ٣٠ ١ ١ /٢ مدني).
- يمنح حق الامتياز لصاحبه أولوية على باقي الدائنين، وقد يمنح أيضا حق التتبع.
- قد يكون حق الامتياز عاما وقد يكون خاصا.
فحق الامتياز العام هو الذي يكون محله كل أموال المدين، ومثاله حق الامتياز المقرر ضمانا لأجرة الخدم والعمال، وحق الامتياز المقرر ضمانا لدين نفقة الأقارب ودين الخزانة العامة، أما حق الامتياز الخاص فهو الذي يتقرر على مال معين فقط من أموال المدين، كالامتياز المقرر على منقولات المستأجر الموضوعة في العين المؤجرة ضمانا للأجرة، وامتياز بائع العقار للوفاء بباقي الثمن.
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.