مفهوم الدولة ونشأة الدولة والنظريات المفسرة لها

في هذه المقالة تناولنا مفهوم الدولة، ثم وضحنا تعريف الدولة، وشرحنا بالتفصيل نشأة الدولة والنظريات المفسرة لها، حيث قمنا بتوضيح خمس نظريات وهي النظريات الدينية (التيوقراطية)، ونظرية التطور العائلي، ونظرية العقد الاجتماعي، ونظرية القوة والغلبة، ونظرية التطور التاريخى.

مفهوم الدولة

اختلف علماء الفقه والقانون فى وضع تعريف موحد للدولة ويرجع هذا الاختلاف إلى التباين فى وضع المعايير التى تبرز صفة الدولة لجماعة معينة، وقد نتج عن هذا الاختلاف تعدد المفاهيم للدولة، ورغم هذا الاختلاف فى المفاهيم والصياغة إلا ان معظم هذه التعريفات تتفق فى مجملها على الأركان الأساسية للدولة.

حيث يرى بعض فقهاء القانون أن الدولة وفقاً للمعنى اللغوى لا تخرج عن كونها جماعة منظمة ترتبط بروابط اجتماعية وقومية مشتركة، وذلك وفقاً للمعنى الشامل، أما الدولة فى معناها الضيق فتعنى السلطات العامة وما يصاحبها من علاقات سواء بينها أو بين الحكام والمحكومين، بينما يرى البعض الآخر أن الدولة يمكن تعريفها من خلال أركانها الأساسية بأنها ظاهرة سياسية وقانونية تعنى جماعة من الناس يقطنون رقعة جغرافية معينة بصفة دائمة ومستقرة ويخضعون لنظام سياسى.

تعريف الدولة

يرى الفقيه السويسرى “بلتشيلى” أن الدولة هى جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة واخرى محكومة؛ ةبينما يعرف الفقيه الفرنسى “كاري دى وليبر” الدولة بأنها مجموعة من الأفراد مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة فى مواجهة الأفراد سلطة عليا آمرة وقاهرة؛ ويعرفها “أسمان” بأنها التشخيص القانونى لأمة ما، ويرى الرئيس الأمريكى الأسبق، “ويلسون ” ان الدولة هى شعب منظم خاضع للقانون يقطن ارضاً معينة.

ويعرف العميد “دوجى” الدولة على أنها عبارة عن جماعة من الناس الاجتماعيين بينهم طبقة حاكمة وأخرى محكومة، بينما ينظر “فوشيه” للدولة على أنها مجموعة دائمة مستقلة من الأفراد يملكون إقليماً معيناً، وتضمهم سلطة مشتركة منظمة بغرض ان تكفل لأفرادها الحماية ولكل منهم التمتع بحريته ومباشرة حقوقه؛ ويعرفها “ديفو” بأنها مجموعة من الأفراد مستقرة فى إقليم محدد وتخضع لسلطة صاحبة سيادة مكلفة ان تحقق صالح المجموعة ملتزمة فى ذلك بمبادئ معينة؛ ويعرفها محسن العبودى بأنها تعنى مجموعة من الناس تقطن على وجه الاستقرار إقليما معيناً، وتخضع لسلطة سياسية تدير شئونها بهدف تحقيق أغراض سياسية واجتماعية واقتصادية محددة سلفاً.

ويعرف بطرس غالى الدولة بانها مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة فى إقليم معين وتسيطر عليهم هينة منظمة استقر الناس على تسميتها بالحكومة؛ ويرى إبراهيم درويش بأن الدولة هى جماعة من المواطنين الذين يشغلون إقليماً محدد المعالم ومستقلا عن اى سلطان خارجى ويقوم عليه نظام سياسى له حق الطاعة والولاء من قبل الجماعة او على الأقل من اغلبيتهم. ومن خلال استعراض المفاهيم السابقة للدولة يمكن القول بأن الدولة تعني ذلك الشخص المعنوى الذى يرمز إلى مجموع شعب مستقر على إقليم معين حكاماً ومحكومين بحيث يكون لهذا الشخص المعنوى سلطة سياسية ذات سيادة.

أركان الدولة

هناك ثلاثة أركان رئيسية أو عناصر مهمة لابد من توافرها لكى تكتسب المجتمعات السياسية صفة الدولة وهى:

  1. شعب: وهم جموع الأفراد المواطنين فى الدولة.
  2. إقليم: وهو رقعة معلومة ومحددة من الأرض يعيش فيها الشعب وتشمل ما يعلوها من أجواء وما يخيط بها من مجال بحرى إقليمى.
  3. سلطة: وتعبر عن إرادة الدولة وتتجسد فى نظام سياسى له حكومة تمثل او تعكس الشخصية الاعتبارية للدولة فى علاقاتها وتعاملها مع الأفراد فى الداخل ومع الدول الأخرى فى الخارج. 

مقالة ذات صلة: الدولة – تعريف الدولة وأركان الدولة ووظيفتها

النظريات المفسرة لنشاة الدولة

تعددت محاولات تفسير أصل الدولة، وكيف نشات، وأخذت هذه المحاولات اتجاهات فكرية مختلفة تتناول ظاهرتى الدولة والمجتمع كل من منظور خاص، عقائدى، طبيعى، إرادى، تاريخى حيث ينظر الاتجاه العقائدى إلى الدولة بصفتها نظاماً مقدساً صنعه الله بإرادته لتنظيم حياة العباد على الأرض، بينما يرى الاتجاه الطبيعى أن الدولة هى بمئابة ظواهر طبيعية تنشاً تلقائياً شأن الظواهر والماديات الموجودة فى الطبيعة والتى أدركها الإنسان بعقله، ويميل الاتجاه الإرادى إلى أن الدولة ليست ظاهرة طبيعية بل هى ظاهرة من صنع الإنسان وإرادته لتنظيم معيشته، ويرجع الاتجاه التاريخى نشاة الدولة إلى نتاج لمراحل التطور التاريخى. وقد تبلورت تلك الاتجاهات الفكرية المرتبطة بمسالة نشاة الدولة إلى عدة نظريات مهمة فى هذا المجال سوف نتناولها على لنحو التالى:

  1. النظريات الدينية (التيوقراطية).
  2. نظرية التطور العائلي.
  3. نظرية العقد الاجتماعى.
  4. نظرية القوة والغلبة.
  5. نظرية التطور التاريخى.

أولاً:-النظريات الدينية (التيوقراطية)

تنسب هذه النظريات مصدر السلطة إلى الإله الخالق، فمصدر السلطة هو الله يختار من يشاء لممارستها ومادام الحاكم يستند فى سلطته إلى مصدر إلهى فهو إذا أسمى من الطبيعة البشرية، ولا يمكن إخضاع سلطته وإرادته لأية سلطة أو إرادة من جانب المحكومين طالما أن الحاكم حسب هذه الأفكار منفذ للمشيئة الإلهية، فوفقاً لهذه النظرية فإن الدولة هى من خلق الله وصنعه بقصد تنظيم أحوال الجماعة، وتحقيق الخير لهم وعلى ذلك يجب أن تكون الدولة محلا للإعزاز وأن تحمل نوعاً من التقديس، وأن بقاء الدولة واستمرارها يستلزم وجود سلطة تقوم بإدارة وتنظيم حكم الجماعة، والذين هم فى حكم او مركز السلطة اصطفاهم الله للقيام بهذه المهمة ويجب ان يخضعوا لنوع من التقديس.

وعلى ذلك كان ينظر إلى الحاكم على أنه مفوض من قبل الله وان مهمته هى تنفيذ المشيئة الإلهية وان إرادته تسمو على إرادة المحكومين وقد استخدمت هذه النظريات الدينية كسلاح لمواجهة النظريات الديمقراطية التى تطورت فيما بعد، وكما استخدمت كذلك لإثبات أن سلطة الكنيسة تفوق سلطة الحاكم لأن الكنيسة تستمد سلطتها من الله مباشرة، أما الإمبراطورية فتقوم لأغراض دنيوية بحتة، ثم تطورت نظرية النشأة المقدسة للدولة فى إنجلترا خلال القرنين السادس والسابع عشر وأخذت شكل الحق المقدس للملوك وكانت تؤكد أن الله أنشاً السلطة منذ خلق الإنسان على الأرض، ونفى انصارها فكرة قيام العقد الاجتماعى نفياً قاطعاً، ولم يؤمنوا بفكرة وجود مساواة بين الأفراد فى حالة الفطرة الأولي.

ويمكن تلخيص النظريات الدينية أو النشاة المقدسة للدولة بانها تتضمن:

  • ان الإله خلق الدولة بهدف إنقاذ البشرية من الهلاك وامار.
  • ان الله ارسل مندوباً او اختار وكيلا له ليحكم البشر، وانه تبعاً لذلك يكون الحاكم معيناً من قبل الإله وهو لذلك لا يكون مسنولاً عن ما يأتيه من أفعال إلا امام الإله، وان على الجميع ان يطيعوا امره وسلطته، وعدم إطاعة أوامره خطيئة يعاقب الفرد عليها من قبل الإله.

وتتضمن الحقوق المقدسة للملوك الآتى:-

  • الملكية قدر من عند الله، ويستمد الملوك سلطتهم من الإله.
  • الملكية وراثية ومن الحق المقدس أن يورثها من الأب إلى الإبن.
  • لا يتم مساءلة الملك إلا أمام لإله فقط.
  • عدم طاعة سلطة الملك الشرعية معصية للإله.

مزايا النظرية الثيوقراطية

تأكيدها على أن للدولة رسالة أخلاقية فما دامت الدولة من عمل الله فلابد ان تكون لها رسالة اخلاقية سامية، حيث الدين رباط وثيق يعمل على ترابط العائلات وتناسلها.

عيوب النظرية الثيوقراطية

تراجعت النظريات الدينية أو الحق الإلهى المقدس نظراً لمجموعة من العوامل تمثلت فى:

  • ظهور نظرية العقد الاجتماعى.
  • انتصار السلطة الزمنية على السلطة الدينية وانفصال الكنيسة عن الدولة.
  • نمو الأفكار الديمقراطية التى قضت على النظريات التى تقصد الحكم المطلق ومن بينها نظرية النشاة المقدسة للدولة وقد كان لهذه النظرية بعض العيوب ادت إلى تعرضها للنقد كالآتى:
    1. أن هذه النظريات الدينية ليس لها أى اساس ولم يعد لها اى مكان فى الفكر السياسى الحديث حيث ان الدولة هى فى الأساس مؤسسة إنسانية تتكون من أفراد يقيمون فى مكان محدد ويهدفون إلى تحقيق أغراض مشتركة.
    2. ان قوانين الدولة يضعها أفراد وهم الذين يتولون تنفيذها وفرضها.
    3. أن هذه النظريات لم توجد إلالتبرير السلطة الديكتاتورية الغاشمة للملوك خاصة فى العصور الوسطى، فهي تطلق العنان للتحكم الإستبدادى كى ينكل بالشعب كيفما يشاء.

مقالة ذات صلة: الثيوقراطية – تعريفها وسماتها ومزاياها وعيوبها وأمثلة عليها

ثانياً:- نظرية التطور العائلي

تستمد تلك النظرية اصولها من الفلسفة اليونانية القديمة خاصة، آراء افلاطون وأرسطو. وترجع هذه النظرية اصل نشاة الدولة إلى فكرة السلطة الأبوية بمعنى أن الدولة مرت باطوار معينة هى الأسرة ثم العشيرة ثم القبيلة فالمدينة واخيراً الدولة. وان مبعث هذه الأطوار هو الإنسان الذى خلق بطبيعته اجتماعياً، ولا يملك إلا أن يعيش فى جماعة وإلا اعتبر إنساناً غير طبيعي، وعلى ذلك تكون الأسرة هى أساس نشاة الدولة وأن سلطة الحاكم ما هى إلا امتداد لسلطات العائلة، حيث يحاول أنصار هذه النظرية تبرير نظريتهم على أساس ان هناك بعض الأشياء المتشابهة بين الأسرة والجماعة السياسية أهمها: التضامن الاجتماعى، والروح القومية، اللذان يجمعان بين أفراد الدولة ويمكن تشبيهها بالروح العائلية التى تربط أفراد الأسرة الوادة.

نقد نظرية التطور العائلي

على الرغم من توافق هذه الذظرية مع ما اجتمعت عليه الأديان السماوية من أن اصل الجنس البشرى هو آدم وحواء. إلا أنها تعرضت لبعض الإنتقادات تتمثل فى الآتى:-

  • رفض علماء الاجتماع التسليم بان الأسرة هى الخلية الاجتماعية الأولى للإنسان إذ سبقتها حياة بشرية خلت تماماً من معنى التنظيم والتضامن الأسرى بالشكل الذى أصبح متعارفاً عليه فيما بعد.
  • إن التاريخ لا يؤيد هذه النظرية على إطلاقها، ذلك لأن هناك الكثير من الدول لم تنشاً على الأساس السابق، كما أن هناك الكثير من الدول لم تنشأ وفق نظرية التطور العائلي.
  • إن إرجاع أساس السلطة العامة فى الدولة إلى سلطة رب الأسرة وتشبيه السلطة الأولى بالثانية هو فى حقيقة الأمر موضع نظر، ذلك أن سلطة رب الأسرة لها صفة شخصية مرتبطة بشخص رب الأسرة و تزول بزواله أو باستقلال أفراد الأسرة عنه عكس السلطة السياسية فى الدولة فإنها سلطة مجردة غير شخصية دائمة ومنفصلة عن أشخاص من يمارسونها.
  • أن نظرية التطور العائلي ليست وحدها المصدر التاريخى لنظام الدولة، فالتطور الإنساني بكل ما تفاعل فيه من فكر، وما تحكم فيه من مؤثرات دينية وسياسية واقتصادية قد شارك مشاركة جدية وحاسمة فى تطوير نظام الدولة.

مقالة ذات صلة: أشكال الدول وانواعها بالتفصيل

ثالثا:- نظرية العقد الاجتماعى

تقف نظرية العقد الإجتماعى فى مقدمة النظريات الخاصة بنشاة الدولة من وجهة نظر كثير من كتاب وفلاسفة الفكر السياسى، بل إنهم يرجعون التنظيم السياسى الحديث وسيادة مبادئ الديمقراطية الحديثة إلى هذه النظرية؛ وتقوم نظرية العقد الاجتماعى من حيث المبدأ على افتراضين: الأول هو مايتناول حالة الفطرة الأولى، والثانى يدور حول فكرة العقد سواء أكان هذا العقد اجتماعى أو سياسى يتضح عن طريقه تكون السجتسع السياسى ونشأته، وقد يكون هذا العقد بين الحاكم والمحكومين فيسمى عقداً حكومياً.

ويفترض أصحاب نظرية العقد الاجتماعى أن حالة الفطرة هى حالة سابقة على تكوين المجتمع السياسى، ويعتبر القانون الطبيعى هو الذى كان يقوم بعملية تنظيم المجتمع فى هذه المرحلة، وقد تعددت وتباينت الأراء حول العقد الاجتماعي فمنهم من اعتبره حقيقة تاريخية يفسر الكتاب عن طريقها نشأة المجتمع، ومنهم من يعتبره عقداً أو اتفاقاً بين الحكام والمحكومين فضلاً عن اعتباره أساساً ملائماً لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحكام والمحكومين.

فجوهر نظرية العقد الاجتماعى يدور حول تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم للحاكم فى مقابل تمتعهم بما يوفره المجتمع، وقد شهدت هذه النظرية عصرها الذهبي فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وكان اعتناق هذه النظرية والإيمان بها من أسباب قيام الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية، فهذه النظرية أعطت الأفراد حقوقاً سابقة على وجود الدولة، ومنذ الوهلة الأولى أثبتت نظرية الفطرة الأولى أن حقوق الفرد مادامت سابقة لوجود الدولة فإنه لا يمكن للأخيرة ان تنتزع حقوق الأفراد الذين يعيشون فيها، وقد حققت هذه النظرية الكثير من اهدافها من حيث تأكيد حقوق الأفراد وعدم تمكين أى حكومة أو أى ملك من القضاء عليها أو تكييفها حسب المشيئة فتسببت هذه النظرية فى إنهيار السلطة المطلقة للملوك والحكومات.

ويمثل كل من توماس هيز، وجون لوك، وجان جاك روسو، أهم مفكري نظرية العقد الاجتماعي Social Contract؛ فقد تركوا تراثاً فكرياً وسياسياً لا يستهان به بصدد هذه النظرية خاصة فى مجال التنظيم السياسى والاجتماعى للدولة الحديثة.

أ. توماس هيز

تبلورت نظرية “هوبز عن تنظيم المجتمع فى مؤلفه المهم Leviathan التنين أو العملاق، الذى وضعه ليدافع عن وجهة نظره فى حق الملك فى الحكم المطلق، فى مواجهة الدعوة إلى سيادة البرلمان فى انجلترا.

فقد نادى “هوبز” بان أصل وجود الجماعة المنظمة إنما يرجع إلى العقد، فالعقد هو الذى نقل الفرد من حالته الفطرية الطبيعية إلى مجتمع منظم تسود فيه طبقة محكومة واخرى حاكمة، وقد تصور “هوبز” ان الحالة الفطرية الأولى سادها الكثير من البؤس والكفاح، فحالة الأفراد الفطرية تتصف بالفوضى، لأن الإنسان انانى محب لذاته ولا يراعى إلا صالحه الخاص ولذلك عمل القوى على اغتصاب الضعيف، وفى هذا المناخ الممتلئ بكل أسباب الفوضى والصراع والأنانية والشر نشاً الدافع الذى حرك الأفراد نحو الانتقال إلى حياة أفضل مستقرة، وكان السبيل إلى ذلك هو العقد.

وهكذا عقد الأفراد عقدا انتقلوا بواسطته من حالتهم الفوضوية الأولى إلى حالة المجتمع المنظم، فالعقد أساس هذا الانتقال وبالتالى هو الذي أوجد الجماعة المنظمة التى نعم فيها الأفراد بحياة مستقرة، وفى رأى “هوبز” أن الحاكم لم يكن طرفاً فى هذا العقد، وإنما تم العقد بين الأفراد وحدهم، ومن هنا فإنه عند اختيار الحاكم، يتنازل الأفراد له عن جميع حقوقهم الطبيعية التى كانت لهم فى حالة الفطرة حتى يتمكنوا من العيش فى المجتمع المنظم الذى أرادوا هم إقامته.

وتتمتع السلطة الحاكمة عند “هوبز” بسلطة مطلقة لا حدود لها ولا يحق بالتالى مخالفة هذه السلطة مهما استبدت وتعسفت، وكان “هوبز” متأثراً فى ذلك بالفترة التى عاشتها انجلترا خلال حياته والتى تميزت بالقلاقل والاضطراب مما كان لها اثرها البالغ على تفكيره خاصة وانه كان يعمل معلماً للأمير شارل استيوارت الذى اصبح ملكاً، وهذا كان له اثر على مطالبة “هوبز” وتأييده لسلطان الملك المطلق مع عدم إجازة محاسبته بواسطة الشعب.

ب. جون لوك

يتفق “جون لوك “مع “هوبز” فى أن أصل وجود الجماعة المنظمة إنما يرجع إلى العقد الذى نقل الأفراد من حالتهم الطبيعية الأولى إلى المجتمع المنظم الذى تسود فيه سلطة حاكمة، وأخرى محكومة، ولكن يختلف “لوك” عن “هوبز” فى تصوره لحالة الفطرة فهى فى نظره لم تكن فوضى وبؤس وشرور بل كان يرفرف عليها الحرية والمساواة والعدل بين الأفراد فى ظل القانون الطبيعى وما دفعهم إلى هجر حالتهم الفطرية هو الرغبة فى تنظيمها وهى مالم يكن ليتحقق إلا بالانتقال إلى المجتمع.

فقد رفض المفكر الانجليزى جون لوك الفكر الاستبدادى لهوبز، حيث رأى لوك أن سلطة الأفراد على أنفسهم تعد بمثابة خصائص طبيعية لصيقة بصفة الآدمية فى الإنسان، ومن ثم فهى لا تقبل بطبيعتها التصرف فيها ولا النزول عنها، وعلى ذلك فإن العقد الإجتماعى لم ينقل إلى الأمير سلطة الأفراد على انفسهم ولكنه فوضه فى ممارسة هذه السلطة على ان يكون محكوماً فى ذلك بشروط التفويض بحيث لو اجل بهذه الشروط حق للأفراد سحب التفويض منه.

ج. جان جاك روسو

وقد اعاد المفكر الفرنسى جان جاك روسو صياغة نظرية العقد الاجتماعى من جديد فى كتابة العقد الاجتماعى عام ١٧٦٢، حيث تقوم تلك الصياغة على أن السيادة التى هى حق طبيعى للأفراد وتقبل التصرف فيها والنزول عنها و لم تنتقل بموجب العقد إلى الأمير، حيث لم يكن فى العقد أمير، فالناس احرار ومتساوون بالطبيعة، لكنها انتقلت من الناس بذاتهم كافراد إليهم إلى مجموعهم ككيان جماعى جديد مستقبلا ومتميزاً عنهم كافراد، ومن ثم يصبح جمهور الأفراد فى الدولة هم اصحاب السيادة، وأن الإرادة العامة لمجموع الأفراد هى المنشأة للقانون الواجب الاتباع.

مزايا نظرية العقد الاجتماعى

أدت نظرية العقد الاجتماعى دوراً كبيراً فى تطور الفكر السياسى والمجتمعات السياسية حيث مهدت الطريق لضرورة تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين على أسس موضوعية، كما كان لهذه النظرية الفضل فى إقرار كثير من مبادئ النظرية الديمقراطية مثل الإرادة الشعبية، وتقرير الحرية السياسية وسيادة القانون، ورقابة المحكومين علي الحكومة، حيث يمكن القول بشكل عام ان الكثير من الدول التى أخذت بمبدأ المساواة بين الأفراد فى الحقوق السياسية وبالأخص حق الانتخاب كانت متأثرة بنظرية جان جاك روسو.

مقالة ذات صلة: تعريف الحكومة ووظائفها وأشكالها والفرق بين الدولة والحكومة

نقد نظرية العقد الاجتماعى

رغم أهمية هذه النظرية فى تفسير نشأة الدولة إلا أنه قد وجهت لها العديد من العيوب والانتقادات والتى تتمثل فى الآتى:

  1. إن فكرة العقد التي تعتبر أساس نشأة الجماعة المنظمة فكرة خيالية لا سند لها من الواقع ابتدعها قائلوها من نسيج أفكارهم وخيالهم حيث لم يعطى التاريخ مثالاً واحداً واقعياً بأن جماعة من الجماعات قد نشأت وقامت بواسطة العقد.
  2. إن فكرة العقد ذاتها كأساس لنشأة الجماعة المنظمة هى فكرة غير سليمة من الناحية القانونية وذلك لأن فكرة القوة الإلزامية للعقد لا توجد إلا بوجود الجماعة وقيام سلطة بها تحمى العقود وتطبيق الجزاءات اللازمة لضمان احترامها، وعلى ذلك فلا يمكن ان يكون العقد الذي يحتاج إلى حماية السلطة العامة هو الذى أنشأ السلطة وأقامها.
  3. تفترض تلك النظرية أن الإنسان كان يعيش فى حالة عزلة قبل ان تنشأ الجماعة وهو قول غير صحيح، لأن الإنسان كائن اجتماعى بطبيعته لا يطيق حياة العزلة وقد نشأ وعاش دائماً فى جماعة.
  4. تفترض تلك النظرية بأن الأفراد كانوا متساوين فى حالة الفطرة الأولى وهذا الافتراض غير صحيح.

مقالة ذات صلة: الديمقراطية: تعريفها، أهميتها، أنواعها، مبادئها، مميزاتها ،عيوبها

رابعاً:- نظرية القوة والغلبة

ترجع هذه النظرية أصل الدولة إلى القوة والغلبة، فالدولة إنما تنشاً عندما يفرض القوى غلبته على باقى الأفراد الذين يمتثلون لقوته، ويعتمد أنصار هذه النظرية على أساس الواقع العمل للتاريخ حيث يؤكد التاريخ بأن حكومات عديدة قامت على أساساً القوة والعنف.

نقد نظرية القوة والغلبة

رغم واقعية هذه النظرية بعض الشئ إلا أنها لم تخل من النقد فإذا كان التاريخ قد اعطى الكثير من الشواهد على صدق نظرية القوة خاصة بالنسبة للدول القديمة، فهناك الكثير من الشواهد على صدق نظرية القوة خاصة بالنسبة للدول القديمة، فهناك الكثير من الدول فى العصر الحديث التى لم تنشأ على اساس القوة والغلبة، كما أن الأخذ بهذه النظرية يفقد الدولة مقومات وجودها لأن السلطة التى تقوم على عامل القوة لن يكتب لها البقاء ولابد لها من ان تنهار إذا ما ذهبت تلك القوة.

خامسا:- نظرية التطور التاريخي او الطبيعي

تفسر هذه النظرية نشأة الدولة بأنها نتيجة تفاعل عوامل متعددة أسهمت بعد تطور طويل على مر العصور فى إحداث التقارب وإيجاد الترابط بين أفراد الجماعات البشرية، وأن أهم هذه العوامل هى عامل الدين الذى لعب دوراً مهماً فى تدعيم أواصر الترابط والسياسية التى لعبت دوراً فى إضفاء الشعور لدى الأفراد بوجود أهداف إجتماعية يجب تحقيقها، وبضرورة قيام نظم سياسية تكفل تحقيق هذه الأهداف، وكذلك عوامل القوة المادية والمعنوية والاقتصادية ثم التطور التاريخى للإنسان حيث يبداً فرداً ثم كون أسرة فأصبح رباً لها، ثم كون عائلة وكان هو رئيسها، ثم كون عشيرة وكان هو سيدها، ثم كون قبيلة وكان هو زعيمها ثم تعددت القبائل واتحدت وكونت الدولة تحت حكم احد زعماء هذه القبائل.

ومن انصار هذه النظرية العميد “دوجى” و “بارلتمى” و “مورو” و “سيد هنرى تين” ويمكن القول بان هذه النظرية تعد اكثر النظريات قبولاً لتفسير نشاة الدولة فهى لم تتقيد بعامل واحد معين فى تفسير أصل نشأة الدولة وإنما تعددت العوامل حسب ظروف كل مجتمع ومن هنا لاقت قبولاً واسعاً لدى الفقه الفرنسى والمصرى.

المصادر

  • مدخل الي علم السياسة، فوزي عبد الغني، دار النهضة العربية.
  • محمود إسماعيل: المدخل إلى العلوم السياسية، مطبعة العشرى، القاهرة ٢٠٠٦.
  • فوزي أبو دياب: المفاهيم الحديثة للأنظمة والحياة السياسية (بيروت: دار النهضة العربية، ١٩٧١).
  • عاطف أحمد فؤاد: علم الاجتماع السياسى (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، ١٩٩٥) .
  • عبد الغفار رشاد: قضايا نظرية فى السياسة المقارنة، مركز البحوث والنرلسات السياسية، جامعة القاهرة ١٩٩٣.
  • حامد عبد الله ربيع: نظرية التحليل السياسى (القاهرة: مكتبة القاهرة الحديئة، ١٩٧١.

فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *