في هذه المقالة وضحنا كل شئ عن نظام الحكم في فرنسا، ففي البداية القينا الضوء بصفة عامة عن نظام الحكم فى فرنسا، ثم وضحنا صلاحيات الرئيس الفرنسي، ثم قمنا بالتعريف بالبرلمان الفرنسي بمجلسيه الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وقمنا بالطبع بالتعريف بصلاحيات كل مجلس، وبالطبع لم نغفل عن تناول التشريع في فرنسا.
نظام الحكم فى فرنسا
فرنسا هي بموجب المادة الأولى من دستورها الذي يسري مفعوله منذ عام 1958 م «جمهورية علمانية ديموقراطية واجتماعية»، ويتسم نظام حكمها البرلماني – الرئاسي بهيئة تنفيذية برأسين : فإلى جانب رئيس الدولة المنتخب مباشرة من الشعب (منذ سنة 1982 م) والمتمتع بتفويضات شاملة يقف رئيس مجلس الوزراء، المترئس لحكومة يعتمدها رئيس الدولة وتستند إلى اغلبية برلمانية؛ وتقوم الحكومة التي تتحمل مسؤولية أمام رئيس الدولة وأمام البرلمان بمهام عملها، وفقا لتوجيهاته.
ورئيس الدولة هو الذي بعين رئيس مجلس الوزراء ومن يقترحه من الوزراء، الذين يشكلون الحكومة، كما أنه غير ملتزم بأية معطيات مسبقة، حينما بعين رئيس مجلس الوزراء أو يقوم بإعفائه من منصبه؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة تضم في عضويتها وزراء الدولة، الذين لا يختلفون عن بقية الوزراء في صلاحياتهم، مع استثناء التباين في اللقب، ويتمتع بعضوية الحكومة بعض الوزراء المساعدين، الذين يتلقون التوجيهات من وزراء الدولة، كما يحظى بالعضوية كذلك وكلاء وزارات لا يتم استدعاؤهم لحضور اجتماعات مجلس الوزراء إلا في حالات معينة.
ولا يجوز وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات الجمع بين شغل مقعد برلماني ومنصب حكومي في آن واحد، وفي حالة استدعاء أحد البرلمانيين لتولي مهمة حكومية، فإن بديلاً عنه ينم انتخابه لشغل مقعده البرلماني؛ ولقد تم إعداد هندسة النظام شبه الرئاسي الدستوري للجمهورية الفرنسية الخامسة كرد فعل على حالة انعدام الاستقرار في نطاق نظام الحكم البرلماني لكل من الجمهورية الثالثة (بدءا من عام 1870 م)، والرابعة (بدءا من عام 1948م)، حيث كانت الأوضاع في عهد هاتين الجمهوريتين متسمة بالتقلب الدائم للأغلبيات البرلمانية، ففي ذلك الحين تتابع الانهيار السريع للحكومات الائتلافية، إذ لم تعمر كل حكومة بالمعدل سوى لمدة ثمانية أشهر.
أما الدستور الذي تم فرضه عبر استفتاء شعبي عام سنة 1958 م فيعود الفضل في إعداده إلى النفوذ الحاسم للجنرال شارل ديغول، وإلى رئيس مجلس الوزراء الأول في عهده ميشيل دوبريه؛ وبموجب هذا الدستور تأسس نظام حكم ذي سمات تسلطية بشكل جزئي، بما يضمن تقوية الحكومة وتضييق حدود الصلاحيات البرلمانية، ومنحت لمنصب رئيس الدولة بموجب الدستور الجديد مكانة بارزة؛ فعلى الرغم من اعتباره الرئيس الحقيقي للحكومة، إلأ أنه أعفي من تحمل المسؤولية أمام مجلس البرلمان، بل وضع تحت تصرفه الحق في حل هذا المجلس؛ وفرض ديغول عام 1962م مستعينا بإجراء استفتاء عام عملية الانتخابات المباشرة للرئيس، وبهذا ضمن لمنصب رئاسة الدولة اكتساب نفس الشرعية التي يتمتع بها البرلمان.
مقالة ذات صلة: النظام شبه الرئاسي – تعريفه و خصائصه ومميزاته وعيوبه
مقالة ذات صلة: النظام الرئاسي – تعريفه و خصائصه ومميزاته
صلاحيات الرئيس الفرنسي
إن رئيس الدولة هو الشخصية المحورية في نظام فرنسا السياسي، ولا يمكن لأحد الإطاحة به أو إجباره على الاستقالة، استنادا إلى أسباب سياسية؛ وليس من الوارد التفكير في إعفائه من منصبه، إلا في حالة الخيانة العظمى، والتي لا يتوافر لها في أية جهة تعريف يقربها من الأفهام. ومن منظور الصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور فلا بد من التفريق ببن صلاحيات ذاتية وأخرى مشتركة.
الصلاحيات الذاتية للرئيس الفرنسي
الصلاحيات الذاتية هي صلاحيات مناطة بالرئيس لوحده، وليست بحاجة إلى توقيع جهاز دستوري آخر إلى جانب توقيعه. إذ أن الرئيس وحده:
- هو حامي الدستور وضامن استمرارية الدولة وممارسة سلطاتها مع الالتزام بالدستور.
- يتمتع بحرية اتخاذ القرار الخاص بتعيين رئيس مجلس الوزراء وبقية أعضاء الحكومة.
- يستطيع من خلال حريته في اتخاذ القرار أن يقوم بحل البرلمان (كل سنتين على أبعد تقدير).
- يتخذ القرار بشأن احتمال استخدام الأسلحة النووية.
- يتمتع رئيس الدولة بسلطات ذات شمولية مطلقة في أوقات الطوارئ، التي يتخذ القرار لوحده بشأن حالاتها، بعد الاستماع إلى رئيسي المجلسين، اللذين يتألف منهما البرلمان.
الصلاحيات المشتركة للرئيس الفرنسي
أما بالنسبة إلى الصلاحيات المشتركة – ذات العدد الأكبر من سابقاتها – فهى المشتركة بين رئيس الدولة وأجهزة دستورية أخرى، والتي تتطلب ممارستها توقيع رئيس مجلس الوزراء أو وزير من حكومته إلى جانب توقيع رئيس الدولة، الذي يتمتع بأولوية واضحة من حيث السلطة في هذه الصلاحيات أيضا؛ ومع ذلك فإن صلاحياته تتعرض إلى التقييد في حالة عدم تماثل الانتماء الحزبي بينه وبين الحكومة، ووجوب التعايش بينهما، ويحدث ذلك عندما يجبر رئيس الدولة على التعاون مع حكومة من الجانب السياسي المناوئ (بناء على نسب الأغلبية الحزبية في البرلمان).
وتدرج ضمن الصلاحيات المشتركة بشكل رئيسي بموجب نص الدستور تلك المتعلقة بشؤون السياسة الخارجية والأمنية، ولكن جميع رؤساء الدولة في عهد الجمهورية الخامسة استحوذوا لأنفسهم عملياً على دور مهيمن وخاصة في الصلاحيات المشتركة؛ وكان من النادر أيضا توجيه شكوك جدية تجاهم في هذا السياق، فالرئيس هو الذي يحدد ما تطلق عليه تسمية توجيهات النهج السياسي حتى في حالة اختلاف الانتماء الحزبي بينه وبين الحكومة.
مقالة ذات صلة: نظام الحكم في أمريكا – المبادئ الدستورية والرئيس والكونجرس
البرلمان الفرنسي
يتألف البرلمان من مجلسين، أولهما الجمعية الوطنية Assemblée nationale وثانيها مجلس الشيوخ Sénat.
الجمعية الوطنية الفرنسية
ويبلغ عدد نواب الجمعية الوطنية 577 نائبا يتم انتخابهم مباشرة في عدد مماثل من الدوائر الانتخابية، التي تخصص من مجموعها اثنتان وعشرون دائرة للمناطق التابعة لفرنسا في مناطق ما وراء البحار. وتجرى الانتخابات المباشرة وفقا لأحكام نظام الأغلبية الروماني، بحيث يُنتخب كل نائب مع ممثل عنه في الوقت ذاته؛ ويَخلف الممثل النائب في شغل المقعد البرلماني، إذا توفي النائب أو استقال، أو استلم منصبا حكوميا.
وفي حالة عدم حصول المرشح على الأغلبية المطلوبة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى، فإن الأغلبية النسبية تكفي لفوزه في الجولة الثانية (علماً بان الأغلبية المطلقة يجب أن تصل إلى نسبة 25 من أصوات الناخبين على الأقل)؛ ولا يسمح بالترشح للجولة الثانية إلا لمن حظي بنسبة 5.12 % على الأقل من أصوات الناخبين، ولا يجوز للمواطن التمتع بحق الانتخاب السلبي (الترشح) إلا ابتداء من بلوغه سن الثالثة والعشرين من عمره، أما حق الانتخاب الموجب (التصويت) فيتمتع به كل فرنسي مدون اسمه في السجل الانتخابي، حينما يكمل سن الثامنة عشرة من عمره، وتحدد الدورة التشريعية للجمعية الوطنية بخمسة أعوام.
ولقد قُيدت سلطة الجمعية الوطنية بدرجة بالغة لصالح تشكيل حكومة قوية في عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة؛ ومقابل حق الجمعية في الإطاحة بالحكومة بوسيلة حجب الثقة البرلمانية، فقد منح رئيس الدولة الحق في حل الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تشكيل عائق فعال أمامها.
مقالة ذات صلة: نظام الحكم فى سويسرا: الديمقراطية المباشرة، والبرلمان والحكومة والانتخابات
مقالة ذات صلة: النظام البرلماني – تعريفه و خصائصه ومميزاته وعيوبه
مجلس الشيوخ الفرنسي
ومن جانب آخر فإن مجلس الشيوخ بصفته جهازا تمثيليا للمناطق يضم في عضويته 343 شيخا منذ عام 2008 م (واصبح عدد أعضائه 348 بدءا من عام 2011 م)، ويتم اختيارهم بالانتخاب غير المباشر؛ وحُددت مدة الدورة لهذا المجلس منذ شهر سبتمبر عام 2004 م بستة أعوام، بينما كانت المدة محددة قبل ذلك بتسع سنوات، ويبلغ سن الترشح الأدنى لمجلس الشيوخ ثلاثين عاما، وتجرى انتخابات لشغل نصف مقاعده كل ثلاثة أعوام، وتصل نسبة الأعضاء الذين يتم تمثيلهم في مجلس الشيوخ عبر هيئات من الإدارات الانتخابية إلى 95 % من أعضاء المجالس البلدية المنتدبين إلى مجالس الدوائر المحلية، وأما نسبة 5 % المتبقية فهي التي يشكلها أعضاء الجمعية الوطنية والمجلسين المحلي والعام للإدارات المعنية.
ويتوقف عدد أعضاء الهيئات الانتخابية للدوائر المحلية المنفردة على حجم الدائرة المعنية، إلا أن تحديد العدد لا يتم وفقا لمبدأ التناسب (التام)؛ فالمناطق ذات الكثافة السكانية الضئيلة تمثل عمليا وبشكل دائم في مجلس الشيوخ بنسب تزيد عن حجمها، مقارنة بالمناطق المزدحمة، ويرتبط ذلك من الجهة الأولى باختلاف الطريقة الانتخابية المنطلقة في التوجه من حجم الدائرة المحلية، وذلك من حيث المزايا التي تكتسبها أحزاب الأغلبية في مناطق صغيرة، ويتعلق الأمر من الجهة الأخرى بعدم التكيف المنتظم لعملية تقسيم الدوائر الانتخابية مع التطور الديموغرافي في المناطق المعنية.
التشريع فى فرنسا
يتمتع نواب الجمعية الوطنية وأعضاء مجلس الشيوخ والحكومة بحق إطلاق المبادرة الخاصة بسن القوانين المطلوبة، غير أن الحكومة هي التي تهيمن عمليا وقانونيا على مجريات عملية التشريع، إذ يعود الفضل إلى مبادرتها في ما يزيد على نسبة 90 % من القوانين الصادرة، ويباشر البرلمان بدوره أداء مهمته التشريعية، وبشكل رئيسي من خلال إمكانية تقديم طلبات تغيير هذا القانون أو ذاك؛ وفي نطاق هذه العملية تتوفر للحكومة إمكانية التملص من الاعتراضات على مشاريع ما تقترحه من القوانين عبر رسائل، منها ربط مشروع القانون موضوع التداول بمسألة طرح الثقة البرلمانية.
وفي تلك الحالة يعتبر القانون مواففا عليه، إن لم تتخذ الجمعية الوطنية خلال أربعة وعشرين ساعة من طرح مشروعه قرارا بحجب الثقة عن الحكومة، (مما بتماثل في جميع الحالات مع اتخاذ إجراء ينفذه رئيس الدولة بحل البرلمان بمبادرته الذاتية)؛ أما البرلمان نفسه فليس بوسعه أن يبادر بالعمل التشريعي إلا داخل الحدود الضيقة، التي فرضتها المادة الرابعة والثلاثون من الدستور بخصوص المجالات القانونية التالية: الضرائب والموازنة العامة، حقوق الملكية والعمل والحريات العامة، تعريف ماهية الجنايات والجرائم، أسس الدفاع الوطني، الإدارة والهيئات المناطقية، شؤون المدارس والتعليم والضمان الاجتماعي؛ أما جميع الميادين التي لا يحتفظ البرلمان بصلاحيات خاصة للتشريع في نطاقها، فإن الحكومة تستطيع ترتيب الأوضاع القانونية بشأنها على أساس إصدار مراسيم، ليست بحاجة إلى موافقة برلمانية.
ويحق لرئيس الدولة التدخل في عملية التشريع، حتى بعد أن يصدر البرلمان قانونا م؛. ففي هذه الحالة يطلب الرئيس من البرلمان إجراء مشاورات جديدة حول أجزاء من هذا القانون أو بشأنه كاملاً، خلال مهلة لا تتجاوز خمسة عشر يوما منذ صدوره، وبإمكان الرئيس بالإضافة إلى ذلك عرض القانون موضوع المشاورات على المجلس الدستوري، ويشارك مع رئيس الدولة في هذه الإمكانية أيضا كل من (رئيس مجلس الوزراء، رئيسي المجلسين الذين يتألف منها البرلمان، وكذلك البرلمان بمبادرة يطلقها ستون نائبا وعضوا من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ)؛ ويعتبر القانون فاشلاً بشكل نهائي في تشريعه، إذا أوضح المجلس الدستوري بأنه مخالف للدستور.
ويتألف هذا المجلس المختص بالنظر في توافق القوانين مع الدستور من تسعة قضاة، بحيث يعين كل ثلث من مجموعهم رئيس الدولة ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ،كل ثلاثة أعوام؛ ويجب في هذا السياق التفريق بين المجلس الدستوري ومجلس الدولة Conseil d’État، الذي يعد بمثابة محكمة إدارية عليا تكمن مهمتها في تقديم المشورات لرئيس الدولة وللحكومة في مسائل التشريع.
مقالة ذات صلة: نظام الحكم في بريطانيا – الدستور والملكة والبرلمان
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.