في هذه المقالة نوضح في البداية تعريف القانون، ثم نناقش نشأة القانون، وبالطبع عرجنا على مراحل تطور القانون عبر التاريخ، وبالطبع لم يفوتنا ان نناقش تاريخ القانون في العالم القديم وفي الإمبراطورية الرومانية مررواً بالعصور الوسطي وحتي العصر الحديث؛ فهذه المقالة مهمة أنصح بشدة بالإطلاع عليها.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
نشأة القانون
أدركت المجتمعات البشرية منذ بداية ظهورها، وعلى مر العصور المختلفة، أهمية القانون لحياة الإنسان وضرورته لحفظ الأمن والنظام داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وفي هذا القول المأثور أن : ” مجتمع بدون قانون هو غابة بلا ضابط ولا رابط يلتهم فيها كبيرها صغيرها ولا يأمن فيها المرء على نفسه وماله وأهله “؛ فمنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على وجه الأرض، وضع فيه مجموعة من الغرائز لتشكل في محصلتها النهائية ما يعرف باسم “السلوك الإنساني”، وهذا السلوك هو عبارة عن غرائز متنوعة تسيطر على الإنسان، فهناك مثلاٌ غريزة حب البقاء في الحياة، وهناك غريزة حب التملك، وهناك غريزة حب الاجتماع، فضلا عن غريزة حب الذات والميل إلى الأنانية.
وتعتبر غريزة حب الاجتماع مع بني البشر من أهم الغرائز التي سعى الإنسان إلى إشباعها، فهو لا يميل إلى العيش في عزلة خوفا من قسوة الحياة ومخاطرها، كما أن رغبته في العيش داخل الجماعة لا ترجع إلى حبه لها وتعلقه بها بقدر ما ترجع إلى اقتناعه التام بأنه بمفرده لن يستطع أن يشبع كل رغباته واحتياجاته، إذ دائما ما يقتضي الأمر تعاونه مع غيره من بني البشر من أجل تحقيق أكبر قدر من المنافع والفوائد؛ ومن هنا ظهر ما اعتاد الأفراد على تسميته ب “العلاقات الاجتماعية”.
والعلاقات الاجتماعية إذن هي الوسيلة التي يستطيع من خلالها الأفراد تلبية حاجاتهم المختلفة وإشباع رغباتهم؛ ولكن، في إطار هذه العلاقات الاجتماعية توجد مجموعة من الصراعات التي كان لا بد لها من ضابط يحكمها، فعلى الرغم من تسليمنا بأن الإنسان اجتماعي بفطرته وطبيعته، إلا أنه في المقابل لذلك يميل إلى الأنانية وحب الاستئثار بالفوائد والمنافع، حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين. ولذلك، كان من الضروري ايجاد قواعد معينة تحكم هذه الصراعات، أي تحكم سلوك الأفراد داخل المجتمع، ويكون هدفها الأساسي هو التوفيق بين رغبات كل فرد ومصالحة ورغبات الجماعة التي كثيرا ما تتعارض معها.
ومن هذا المنطلق ظهرت القواعد القانونية لتنظم العلاقات الاجتماعية وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع، ولولا الدور الذي تلعبه القواعد القانونية في هذا الخصوص لعمت الفوضى وساد الاضطراب، ولما أمكن السيطرة على غرائز البشر ورغباتهم، ولما تحقق الاستقرار الذي ينشده كل مجتمع من أجل المزيد من التقدم والرقي .
مقالة ذات صلة: أهمية القانون في المجتمع ولحياتنا وضرورة القانون وأهدافه
نشأة القانون – مراحل تطور القانون عبر التاريخ
بطبيعة الحال لم يكن القانون في بادئ الأمر بالهيئة التي هو عليها الآن، بل المؤكد أنه مر بمراحل متعددة حتى يصل إلى الصورة التي نراها في وقتنا الحاضر، ولعل المتتبع للمراحل التاريخية لنشأة القانون يلحظ أن العلماء قسموها على عدة عصور بيانها كما يلي:-
أ. عصر القوة (الانتقام الفردى)
ففي عصر القوة، أو عصر القضاء الخاص كما يسمى أحياناً، لم يكن هناك قانون بالمعنى المفهوم لنا الآن، وإنما مجموعة تقاليد غريزية أو مجرد إحساس أو شعور بوجود حقوق للأفراد وواجبات عليهم، والمظهر الخارجي لهذا الإحساس وتلك التقاليد هو استعمال القوة؛ ومن هنا كان الأساس في العلاقات أن “القوة تنشئ الحق وتحميه”.
ب. عصر التقاليد الدينية
لم يستمر عصر القوة طويلا بعدما لمس الإنسان بتجربته أن الالتجاء إلى القوة لفض ما يثور من منازعات ينتهي بالمجتمع إلى الفوضى والاضطراب، ومن هنا ظهر عصر التقاليد الدينية، وتغير مع ظهوره مفهوم القانون الذي انتقل من الانتقام الفردي إلى القواعد والأحكام الإلهية التي كان ينشرها رجال الدين داخل المجتمع؛ وقد ظهر القانون على هذه الصورة في بداية الأمر في بلاد النيل وبلاد ما بين النهرين، خصوصا بعدما بدأ اعتماد الإنسان على الزراعة، ثم انتشرت هذه الصورة بعد ذلك واستقرت في جميع الأرجاء المعمورة حتى اهتدت الشعوب إلى الكتابة.
ج. عصر التدوين
ومع اهتداء الإنسان إلى الكتابة، اتجهت الشعوب إلى تدوين أحكامها الإلهية وتقاليدها العرفية التي استقرت على مر العصور، وقد نتج عن ذلك ظهور المدونات القانونية التي أمكن نشرها بين الناس حتى يعلموا بها ويعملوا بمقتضاها؛ ويؤكد العلماء أنه بالرغم من الأهمية البالغة للكتابة ودورها في بلورة القواعد القانونية في صورتها الحديثة، إلا أنها في واقع الأمر لا تمثل مرحلة جديدة في نشأة القانون بقدر ما تمثل استمرار لمرحلة سابقة هي مرحلة الأحكام الإلهية والتقاليد العرفية، فكل ما هنالك أن الكتابة قد ساعدت على تسجيل ما هو قائم.
وأما في العصر الحديث، فقد تشعبت فروع القانون كنتيجة طبيعية لتشعب العلاقات بين الأفراد وتطورها بصورة سريعة، كما تباينت الاتجاهات القانونية التي لم تتخذ منهجا موحداٌ في طريقة تنظيمها للقواعد التي تحكم سلوك الأفراد: إذ يوجد الاتجاه الأنجلوسكسوني الذي يهتم في المقام الأول بالنواحي الاقتصادية في علاقات الأفراد، وهو مطبق حاليا في دول الشريعة العامة (common law) كالولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، وكندا، وغيرهم من الدول الناطقة بالانجليزية.
كما يوجد الاتجاه اللاتيني الذي لا يهتم بالنواحي المالية والاقتصادية بقدر اهتمامه بأطراف العلاقة التي يحكمها القانون، وهو مطبق حاليا في فرنسا، وبلجيكا، وأسبانيا، وايطاليا، ومعظم البلدان العربية ومن بينها مصر؛ وكذلك يوجد الاتجاه الإسلامي المطبق حالياً في المملكة العربية السعودية وايران وباكستان وبعض الدول الإسلامية.
مقالة ذات صلة: أقسام القانون والفرق بين القانون العام والخاص وفروعهما
تاريخ القانون
القانون في العالم القديم
تاريخ القانون يرتبط ارتباطا وثيقا بتطور الحضارة، فكان القانون المصري القديم الذي يعود تاريخه إلى عام 3000 قبل الميلاد، يستند إلى مفهوم الإلهة ماعت إلهة الحق والعدل والنظام في الكون، ويتميز القانون المصري القديم بالتقاليد والخطاب البلاغي والمساواة الاجتماعية والحياد والنزاهة.
وبحلول القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد، كان الحاكم السومري القديم أور نمو قد صاغ أول مدونة للقوانين، والذي يتألف من بيانات إفتاء (“لو… إذن…”)؛ وفي حوالي عام 1760 قبل الميلاد، طور الملك حمورابي القانون البابلي، من خلال تقنينه ونقشه علي الحجر، فوضع حمورابي عدة نسخ من قانونه في جميع أنحاء مملكة بابل كلوحات ليراها الشعب بأكمله، وأصبح هذا يعرف باسم شريعة حمورابي؛ وتم اكتشاف النسخة الأكثر سلامة من هذه اللوحات في القرن التاسع عشر من قبل علماء الآثار البريطانيين، ومنذ ذلك الحين تم ترجمتها بالكامل إلى لغات مختلفة، بما في ذلك الإنجليزية والإيطالية والألمانية والفرنسية.
وكانت أثينا القديمة، منذ حوالي القرن الثامن قبل الميلاد، أول مجتمع مبني على أساس شمول واسع لمواطنيها، باستثناء النساء وطبقات الرقيق؛ ومع ذلك، أثينا ليس لديها علم القانون، ولا كلمة ” القانون ” كمفهوم مجرد، ولكن تعتمد على التمييز الثلاثي بين القانون الإلهي (thémis)، القانون الإنساني (nomos) والعادات (díkē)؛ ومع ذلك، احتوى القانون اليوناني القديم على ابتكارات دستورية رئيسية في تطوير الديمقراطية.
القانون قي الإمبراطورية الرومانية
تأثر القانون الروماني بشكل كبير بالفلسفة اليونانية، ولكن قواعده التفصيلية تم تطويرها من قبل الفقهاء الحقوقيين المحترفين وكانت متطورة للغاية؛ وعلى مر القرون بين صعود وتراجع الإمبراطورية الرومانية، تم تكييف القانون للتعامل مع الأوضاع الاجتماعية المتغيرة وخضع لتدوين كبير تحت ثيودوسيوس الثاني وجستنيان الأول، وعلى الرغم من استبدال القوانين بالعرف والسوابق القضائية خلال العصور الوسطى المبكرة، أعيد اكتشاف القانون الروماني حوالي القرن الحادي عشر عندما بدأ علماء القانون في العصور الوسطى في البحث عن القوانين الرومانية وتكييف مفاهيمها مع القانون الكنسي، مما أدى إلى نشوء القانون العام؛ وتم تجميع الأقوال القانونية اللاتينية (تسمى brocards بمعني الدليل القانوني) للتوجيه والحصول على إرشادات.
القانون في العصور الوسطى
في انجلترا في العصور الوسطى، وضعت المحكمة الملكية سلسلة من السوابق القانونية التي أصبحت فيما بعد القانون العام؛ وقد أُنشئ القانون التجاري علي مستوى أوروبا حتى يتمكن التاجر من التجارة بمعايير عامة مشتركة بدلاً من التعامل مع العديد من الجوانب المنفصلة للقانون المحلي؛ ومع تطور القومية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، القانون التجاري تم دمجه في القوانين المحلية في مختلف البلدان وفقا للقانون المدني الجديد.
القانون الحديث حتى الآن
القانون النابليوني او ما يعرف بالقانون المدني الفرنسي و القانون الألماني أصبحا الأكثر تأثيرا في القانون بالمقارنة مع القانون العام البريطاني، والذي يتكون من عدد كبير من السوابق القضائية، فمجموعة القوانين الموجودة في كتب صغيرة (القانون المدني الفرنسي و القانون الألماني) يكون سهل إصدارها وبالطبع سهل تطبيقها بالنسبة للقضاة؛ وقانون الاتحاد الأوروبي مدون في المعاهدات، ولكنه يتطور من خلال السوابق الفعلية التي تضعها محكمة العدل الأوروبية.
مقالة ذات صلة: مصادر القانون – المصادر المادية والتاريخية والرسمية للقانون
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.