في هذه المقالة نوضح في البداية تعريف القانون، ثم نشرح خصائص القاعدة القانونية بالتفصيل مع تقديم أمثلة؛ فهذه المقالة مهمة أنصح بشدة بالإطلاع عليها.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
خصائص القاعدة القانونية
ويمكننا أن نخلص من التعريف السابق للقانون بأن القاعدة القانونية تتميز بخصائص ثلاث :
- قاعدة عامة ومجردة
- قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.
- قاعدة مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف.
أولاً:- القاعدة القانونية عامة ومجردة
يقصد بعمومية القاعدة القانونية أنها تسري على جميع الأشخاص المخاطبين بحكمها وعلى جميع الوقائع التي تدخل في مضمونها، فالتجريد يقصد به صياغتها بحيث تخلو من الصفات والشروط الخاصة التي قد تؤدي إلى تطبيقها على شخص معين بذاته أو على واقعة محددة بعينها. فالقاعدة القانونية إذن لا نصدر لحكم واقعة بعينها أو تنظيم أمور شخص معين، وإنما تصدر لتنظيم سلوك أفراد المجتمع بصفة عامة، فهي تنشأ في عبارات مجردة لا تشير إلى أشخاص معينة أو إلى وقائع محددة بالذات، ومن ثم تطبق عامة على جميع الأفراد الذين تتوافر فيهم الشروط التي حددتها القاعدة.
والعمومية والتجريد ليستا صفتين منفصلتين للقاعدة القانونية، وإنما هما – على النقيض من ذلك – متلازمتان لا تفترق إحداهما عن الأخرى أو على حد تعبير البعض “وجهان لخصيصة واحدة”.
وللمزيد من التوضيح في هذا الخصوص
تقرر أن القاعدة القانونية تتكون من شقين هما الفرض والحكم: والفرض هو المشكلة أو الظاهرة التي تعالجها القاعدة القانونية، أما الحكم فهو الحل الذي تضعه القاعدة للمشكلة أو الظاهرة التي تواجهها؛ فمثلاً القاعدة التي تنص على أن:- “كل خطأ سبب ضرراًً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”، تحتوي على فرض وهو إصابة شخص بضرر نتيجة لخطأ شخص آخر، وحكم وهو إلزام المخطئ بتعويض المضرور، وكذلك القاعدة التي تنص على أن:- “كل من قتل نفساً عمدا مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام”، تشتمل أيضاً على فرض وهو ارتكاب جريمة قتل مصحوبة بسبق الإصرار أو الترصد، وحكم وهو توقيع عقوبة الإعدام على الجاني.
والقاعدتان المشار إليهما سابقا، شأنهما شأن بقية القواعد القانونية الأخرى، تتسمان بالعمومية والتجريد لأنهما لا تحددان شخصا معينا بذاته، ولا واقعة بعينها، بل تحدد الأشخاص والوقائع بالأوصاف والشروط ؛ ولعلنا نلاحظ من الأمثلة السابقة أن التجريد وصف يلحق بالفرض، في حين العمومية صفة تلحق بالحكم، ومن هنا يصدق القول بأن القاعدة القانونية مجردة في نشأتها وعامة في تطبيقها .
ووفقا لما تقدم:
لا يعتبر قاعدة قانونية، بل قرارا فرديا، القرار الصادر بتعيين شخص في وظيفة معينة أو نقله إلى وظيفة أخرى، ولا القرار الصادر بمنح الجنسية المصرية لأجنبي، أو بنزع ملكية أرض للمنفعة العامة، كذلك لا يعتبر قاعدة قانونية، بل حكما قضائيا، الحكم الصادر بعقاب شخص معين على جريمة ارتكبها، والحكم الصادر بإلزام شخص معين بدفع تعويض نقدي لآخر نتيجة الأضرار التي سببها له.
فجميع هذه القرارات والأحكام لا تعتبر قواعد قانونية لأنها تخاطب أشخاصا معينين بالذات، وعلى العكس من الأمثلة السابقة تعتبر قاعدة قانونية تلك التي تنص على أن : ” كل شخص بلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية”، فهذه القاعدة لا تطبق على شخص معين بالذات وإنما تطبق على كل شخص توافر فيه شرط بلوغ سن الرشد، كذلك القاعدة التي تنص على أن:- “كل من عرض للخطر عمدا سلامة وسائل النقل العامة البرية أو المائية أو الجوية أو عطل سيرها يعاقب بالأشغال المؤقتة أو السجن”، فهذه القاعدة لا يقتصر تطبيقها على شخص معين وإنما تطبق على كل من يتعمد تعريض وسائل النقل المختلفة للخطر.
ويجب أن يراعى أننا لا نعني بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها ضرورة تطبيقها على كافة أفراد المجتمع أو على كل أنواع العلاقات أو في كل زمان ومكان، إذ لا يمنع القانون من أن يكون عاما ومجرداً أن يكون نطاقه محصوراً في طائفة محدودة من الأشخاص أو العلاقات أو أن ينحصر تطبيقه في زمان معين أو مكان معين؛ وأخيرا لا يفوتنا أن نؤكد ما يقوله البعض بأن فكرة العموم والتجريد تلعب الدور البارز في تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، فهي التي تضفي على القانون ما يمتاز به من القدرة على حماية الحقوق، وفي هذا الصدد يقول الفقيه الفرنسي (Esmein) :
“أن الذي يسبغ على القانون ميزته في حماية الحقوق هو طبيعته ذاتها، فهو لا يقرر شيئأ لمصلحة فردية بل يتوخى مصلحة الجميع، ولا يضع قاعدة لفرد بالذات، بل يضعها لجميع الناس، وفي وقائع مستقبلة، وعلى وجه دائم”.
ثانياً:- قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع
لا يتصور وجود القاعدة القانونية إلا حيث يوجد مجتمع، والعكس كذلك صحيح، إذ لا يتصور وجود مجتمع بدون قواعد قانونية تحكمه وتنظم شئون أفراده، فالقانون إذن ضرورة اجتماعية، وهو في هذا الخصوص لا يهتم إلا بالسلوك الخارجي للأفراد؛ وإذا كان القانون نشأ لينظم سلوك الأفراد في المجتمع فإنه، لا يهتم إلا بالمظهر الخارجي لهذا السلوك، أما ما يستقر في النفس وما تخفيه السرائر فلا شأن للقانون به لأن القانون لا يعبأ بالنوايا التي يضمرها الشخص ما لم تتخذ مسلكا خارجيا ملموسا يدل عليها.
وترتيبا على ما سبق، لو أن شخصا كان يضمر سوءاً لآخر، بأن دفعه التفكير في قتله أو سرقة منقولاته أو إحراق منزله أو إتلاف مزروعاته، فإن القانون لا يتدخل لعقاب هذا الشخص طالما بقيت هذه النية كامنة في نفس صاحبها ولم تظهر إلى العالم الخارجي في شكل أفعال مادية ملموسة؛ غير أن القول بأن القانون لا يعتد بالنوايا، لا يعني أنه يستبعد كل أثر للنية في جميع الأحوال، بل أنه يعتد بهذه النية ويدخلها في اعتباره، ولكن لا يعتد بها لذاتها، وإنما يعتد بها إذا اقترنت بنشاط خارجي للأفراد.
ولتوضيح ذلك نسوق المثال الخاص بقانون العقوبات المصري الذي يعاقب على جريمة القتل العمد البسيط بعقوبة السجن المؤبد، بينما يعاقب على جريمة القتل المقترن بسبق الإصرار بعقوبة الإعدام؛ وسبق الإصرار هو النية المبيتة أو التصميم المسبق على ارتكاب الجريمة؛ وهنا نلاحظ أن اقتران النية بالسلوك الخارجي دفع المشرع نحو تشديد عقوبة الفعل المرتكب من السجن المؤبد إلى الإعدام. ولعل الحكمة من اقتصار القانون على حكم السلوك الخارجي للأفراد دون غيره، هي تحقيق الاستقرار في المعاملات، حيث من السهل الوقوف على السلوك الخارجي وتحديده لأنه يرتبط بأفعال مادية ملموسة، خلافا للنوايا الكامنة بالنفس التي لا يمكن التعرف عليها أو تحديدها.
مقالة ذات صلة: الفرق بين القواعد القانونية وقواعد المجاملات والأخلاق والدين
مقالة ذات صلة: أقسام القانون والفرق بين القانون العام والخاص وفروعهما
ثالثاً:- القاعدة القانونية مصحوبة بجزاء مادي يكفل احترامها
رأينا فيما سبق عندما تناولنا أهداف القانون، أن القانون يتدخل لضبط وتنظيم سلوكيات الأفراد في المجتمع، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت قواعده ملزمة، يجبر الأفراد على احترامها عن طريق توقيع جزاء، وإلا فقدت القاعدة صفتها، ولم نصبح قاعدة قانونية بالمعنى الدقيق. فالجزاء إذن يعد من أبرز الخصائص التي تميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد الاجتماعية.
مقالة ذات صلة: القواعد القانونية – القواعد الآمرة والمكملة تعريفها وأمثلة عليها
مقالة ذات صلة: أهمية القانون في المجتمع ولحياتنا وضرورة القانون وأهدافه
تعريف الجزاء القانوني
الجزاء هو الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونية، والغرض منه هو الضغط على إرادة الأفراد حتى يمثلوا لأوامر القانون ونواهيه، لأنه إذا كان القانون يهدف إلى كفالة الأمن والاستقرار في المجتمع، فإن هذا الغرض لن يتحقق إذا تركنا للأفراد حرية احترام القاعدة القانونية أو عدم احترامها.
ولكن يجب ألا يفهم من ضرورة وجود الجزاء في القاعدة القانونية أن الأفراد لا يحترمون القانون إلا خوفا من الجزاء، ذلك أن غالبية الناس يحترمون القانون باعتباره ضرورة اجتماعية لابد منها لحماية النظام الجماعي وكفالة الأمن والاستقرار للجميع، وبديهي أنه كلما ارتقت الجماعة كلما رسخ في نفوس أفرادها احترام القانون؛ ولكن احترام الأفراد للقانون عن إرادة وشعور لا يغير شيئا من القول بأن القاعدة القانونية يجب أن تكون مصحوبة بجزاء، لأن العبرة ليست باحترام القانون طواعية، وإنما المهم أن يكون معروفا مقدما أن من يخالف القانون سيتعرض لجزاء يوقع عليه.
صور او أنواع الجزاء
لا يتخذ الجزاء المترتب على مخالفة القواعد القانونية صورة واحدة، بل يختلف من قاعدة إلى أخرى بحسب موقع كل قاعدة من فروع القانون وبحسب مضمونها وما تأمر به؛ وعلى أية حال يمكن حصر صور الجزاء في ثلاث هي : الجزاء الجنائي، والجزاء المدني والجزاء الإداري.
مقالة ذات صلة: الجزاء القانوني: تعريفه، خصائصه، تطوره، انواعه
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.
انت مكرر القاعدة القانونية عامة ومجردة