في هذه المقالة وضحنا في البداية تعريف القانون، وتعريف الحق، ثم القينا الضوء على أنواع الحقوق؛ ثم وضحنا المقصود بالحقوق ذات الطبيعة المزدوجة (الحقوق الذهنية)، ووضحنا تعريف الحقوق الذهنية، ووضحنا التنظيم التشريعي للحق الذهني (قانون حماية الملكية الفكرية)، ثم أفردنا باقي المقالة لتوضيح حقوق المؤلف بالتفصيل؛ حيث قمنا بتوضيح من هم الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية القانونية لحق المؤلف، ثم وضحنا مضمون حق المؤلف وهو الحق المالي للمؤلف والحق الأدبي للمؤلف، ثم ختما المقالة بتوضيح الحماية القانونية لحق المؤلف.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
تعريف الحق
الحق هو استئثار شخص بميزة معينة استئثارًا يحميه القانون؛ فالحق استئثار، أي أن الميزة تنسب لصاحب الحق، وتثبت له دون غيره؛ والميزة التي يستأثر بها صاحب الحق هي عبارة عن سلطات معينة يمارسها بقصد إشباع مصلحة معينة، فالميزة هنا تتضمن وسيلة وغاية، ولا يقتصر معناها على السلطة وحدها أو المصلحة بمفردها، فمالك الأرض يستأثر بميزة معينة هي سلطاته في استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه بغرض تحقيق مصلحة معينة له من الاستعمال أو الاستغلال أو التصرف.
والميزة، سواء باعتبارها وسيلة أو غاية، يجب أن تكون مشروعة، وإن كنا لم نورد ذلك في التعريف، فإن ذلك مفهوم ضمنا، وبحكم الضرورة؛ لأن صاحب الحق إذا استخدم سلطاته لتحقيق مصلحة غير مشروعة فإن القانون لن يحمي له استئثاره بميزته، لأننا نكون قد خرجنا عن نطاق الحق. والقانون يحمي استئثار الشخص بالميزة، وهو إذ يحمي هذا الاستئثار، فإن ذلك يفترض بالضرورة أنه يقره لأنه لا يتصور أن يحمي القانون ميزة معينة لشخص وهو لا يقرها.
والنتيجة الطبيعية للاستئثار بالميزة هي وجوب احترام الغير للحق، سواء في صورة واجب سلبي عام يقع على عاتق الكافة، باحترام الحق أو في صورة واجب خاص يقع على عاتق المدين بالوفاء بدينه لصاحب الحق الشخصي؛ والتزام الغير باحترام الحق مصدره القانون الذي يحمي الاستئثار بالميزة، فلم يكن من المتصور أن يقر القانون استئثار شخص بميزة ثم يتركه دون حماية ضد اعتداء الغير.
مقالة ذات صلة: الحق: تعريفه، أنواعه، أركانه، مصادره، أشخاصه، محله
أنواع الحقوق
تختلف الحقوق من حيث طبيعتها وخصائصها، ولذلك فإن الفقه يقسمها تقسيمات متعددة، ولكننا نفضل تصنيفها حسب طبيعة القيمة التي تشكل مضمون الحق، فهناك حقوق يمكن تقدير قيمتها بالنقود، وأخرى لا يمكن تقويمها بالنقود، فمثلا إذا كنت تملك سيارة فإن حق ملكيتك عليها يمكن أن يقدر بالمال، فنقول مثال إن هذه السيارة قيمتها ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف، وعلى العكس من ذلك، فإنه لا يمكن القول بأن حقك في سلامة جسمك أو حق الأب في تأديب ابنه يساوي مبلغا معين؛ والنوع الأول من الحقوق الذي يمكن تقويمه بالنقود يسمى حقا ماليا، أما النوع الثاني من الحقوق فيسمى حقا غير مالي.
بيد أن هناك نوعا ثالثا من الحقوق له جانبان: جانب يمكن تقديره بالنقود، وجانب غير مالي، أي لا يقدر بالنقود؛ ولذلك يمكن تسمية هذا النوع من الحقوق حقوقا ذات طبيعة مزدوجة، أو مختلطة، وهذا يصدق على الحقوق الذهنية أو المعنوية. وبالتالي توجد ثلاث أنواع للحقوق:
- النوع الأول: الحقوق غير المالية.
- النوع الثاني: الحقوق المالية.
- النوع الثالث: الحقوق ذات الطبيعة المزدوجة. موضوع هذه المقالة
الحقوق ذات الطبيعة المزدوجة (الحقوق الذهنية)
الحقوق ذات الطبيعة المزدوجة أو المختلطة هي حقوق لها جانبان، جانب مالي يمكن تقديره بالنقود وجانب غير مالي لا يمكن تقديره بالنقود؛ وهذا التحديد ينطبق على الحقوق الذهنية.
تعريف الحقوق الذهنية
الحق الذهني هو عبارة عن سلطات يقررها القانون لشخص على شيء معنوي هو نتاج ذهنه وتفكيره وخياله، مثل: حق المؤلف على أفكاره التي يتضمنها كتاب معين و حق المخترع في اختراعه، وحق التاجر في الاسم التجاري والعلامة التجارية.
التنظيم التشريعي للحق الذهني – قانون حماية الملكية الفكرية
لم يتضمن التقنين المدني تنظيماً للحقوق الذهنية، واكتفى بالإشارة إلى أن الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة (مادة ٨٦ مدني)؛ وقد صدرت عدة قوانين تنظم هذا النوع من الحقوق منها القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٣٩ بشأن العلامات والبيانات التجارية، والقانون رقم ١٣٢ لسنة ١٩٤٩ بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، والقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٥١ الخاص بالأسماء التجارية، والقانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤ الخاص بحق المؤلف والمعدل بالقانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٩٢.
إلا أن المشرع المصري قد رأى أن يجمع أحكام الحقوق الذهنية بين دفتي تقنين واحد ينتظمها جميعا، فقام بسن القانون رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ تحت اسم “قانون حماية الملكية الفكرية” الذي صدر في ٢ يونيه ٢٠٠٢، ونشر بالجريدة الرسمية في ٢٠٠٢/٦/٢، وقد نص هذا القانون على إلغاء القوانين المشار إليها سابقا.
وتضمن أربعة كتب هي: الكتاب الأول في براءات الاختراع ونماذج المنفعة، ومخططات التصميمات للدوائر المتكاملة والمعلومات غير المفصح عنها، والكتاب الثاني في العلامات والبيانات التجارية والمؤثرات الجغرافية، والتصميمات والنماذج الصناعية، والكتاب الثالث في حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والكتاب الرابع في الأصناف النباتية.
وستقتصر مناقشنا في هذه المقالة على حق المؤلف، كما نظمه قانون حماية حقوق الملكية الفكرية في الكتاب الثالث، لأن دراسة الحقوق الأخرى تدخل ضمن دراسات القانون التجاري؛ وفي دراستنا لحق المؤلف نتولى بيان أحكامه بإيجاز، فنبـين أولاً: الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية القانونية لحق المؤلف، ثم بتبع ذلك بتوضيح مضمون حق المؤلف، ونختتم الكلام عنه ببيان الحماية القانونية التي قررها القانون لهذا الحق.
أولاً:- الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية القانونية لحق المؤلف
طبقا لنص المادة ١٤٠ من قانون الملكية الفكرية “يتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية”، وهذا يقتضي منا بيان المقصود بالمؤلف، والمقصود بالمصنفات.
1. المؤلف
طبقا لنص المادة ١٣٨ من قانون الملكية الفكرية، المؤلف هو: “الشخص الذي يبتكر المصنف، ويعد مؤلفا للمصنف من يذكر اسمه عليه أو ينسب إليه عند نشره باعتباره مؤلفا له، ما لم يقم الدليل على غير ذلك”، فالمشرع هنا قد أقام قرينة بسيطة في هذا الصدد مؤداها أن من ينشر المصنف منسوبا إليه، يعد مؤلفه إلى أن يثبت العكس؛ وبناء عليه، إذا نشر كتاب تحت اسم شخص معين، فإن هذا الشخص يعتبر صاحب الحق الذهني على ما جاء فيه من أفكار، لكن يجوز لأي شخص آخر أن يثبت أنه هو المؤلف الحقيقي للكتاب.
وإذا كان تحديد المؤلف الفرد أمرا لا يثير صعوبة، فإن هناك حالات يدق فيها تحديد من هو المؤلف، وهذا يحدث في حالتي التأليف المشترك والتأليف الجماعي، وهذا ما نبينه فيما يلي:
أ. التأليف الجماعي
طبقا لنص المادة ١٣٨ من قانون الملكية الفكرية، المصنف الجماعي هو “المصنف الذي يضعه أكثر من مؤلف بتوجيه شخص طبيعي أو اعتباري يتكفل بنشره باسمه وتحت إدارته، ويندمج عمل المؤلفين فيه في الهدف العام الذي قصد إليه هذا الشخص، بحيث يستحيل فصل عمل كل مؤلف وتمييزه على حده”؛ وعلى ذلك فإن التأليف الجماعي لا يقصد به مجرد اشتراك مجموعة الأشخاص في وضع مصنف وإلا كان تأليفا مشتركاً، وإنما لابد أن يكون وضع المصنف بتوجيه وإشراف شخص طبيعي أو معنوي، يحشد جهود مجموعة أشخاص، يقدمون المصنف وتندمج أدوارهم في الهدف العام الذي رسمه الموجه المشرف، الذي ينشر المصنف الجماعي تحت اسمه.
ومتى وجد مصنف جماعي على هذا الوجه، فإن القانون يعتبر أن المؤلف هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تم الإنتاج بتوجيهه وإشرافه ونشر باسمه، وليس المؤلف هو الأشخاص الذين تكاتفوا على إنتاجه؛ وفي هذا تنص المادة ١٧٥ من قانون الملكية الفكرية على أنه: “يكون للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي وجه إلى ابتكار المصنف الجماعي التمتع وحده بالحق في مباشرة حقوق المؤلف عليه”؛ ومثال التأليف الجماعي أن تعهد الدولة إلى لجنة من العلماء أو المتخصصين بوضع موسوعة علمية في فرع تخصصهم، أو إلى مجموعة من الفنانين بإنتاج أغنية استعراضية بمناسبة عيد وطني، فهنا تكون الدولة هي المؤلف، وليس العلماء أو الفنانون.
وينتقد الفقه هذا الحكم، نظرا لأنه كان من المفروض أن تثبت صفة المؤلف للأشخاص الذي تضافرت جهودهم لإنتاج المصنف، وليس إلى الشخص الموجه أو المشرف الذي لم يساهم بأية مساهمة ذهنية، إلا أن هذا الرأي يفسر اتجاه المشرع إلى ذلك باعتبارات عملية مؤداها تفادي ما قد ينشأ من صعوبات عن تدخل المؤلفين الحقيقيين مما قد يهدد الهدف المقصود من التوجيه لوضع المصنف الجماعي.
ب. التأليف المشترك
طبقا لنص المادة ١٣٨ من قانون الملكية الفكرية، يقصد بالمصنف المشترك “المصنف الذي لا يندرج ضمن المصنفات الجماعية، ويشترك في وضعه أكثر من شخص، سواء أمكن فصل نصيب كل منهم فيه أو لم يمكن”؛ ويتضح من هذا النص أن المصنف المشترك يتشابه مع المصنف الجماعي في أن كلا منهما اشترك في إنتاجه أكثر من شخص، إلا أن الفرق بينهما يكمن في أن المصنف المشترك لم يتم إنتاجه بتوجيه شخص طبيعي أو معنوي، حدد له هدفا يندمج فيه جهد المشتركين فيه، ويتم تحت إدارته، وإلا كان مصنفا جماعيا.
وقد حرص النص السابق على ذكر أن المصنف المشترك لا يندرج ضمن المصنفات الجماعية لإبراز هذا الفارق الرئيسي، وإذا كان من سمات المصنف الجماعي – كما رأينا سابقا – أنه يستحيل فصل عمل كل مؤلف وتمييزه على حده، فإن المصنف يعد مشتركاً، سواء أمكن فصل نصيب كل منهم فيه أو لم يمكن؛ ويثور التساؤل هنا عن مدى حق كل مؤلف من المؤلفين المتعددين في حالة المصنف المشترك، أجابت على هذا التساؤل المادة ١٧٤ من قانون الملكية الفكرية، حيث ميزت بين ما إذا كان الاشتراك مختلطا، بمعنى أنه لا يمكن تمييز دور كل من المشتركين عن أدوار زملائه، أو يمكن تمييز دور كل منهم. فقد نصت هذه المادة على أنه:
“إذا اشترك أكثر من شخص في تأليف مصنف بحيث لا يمكن فصل نصيب كل منهم في العمل المشترك، اعتبر جميع الشركاء مؤلفين للمصنف بالتساوي فيما بينهم ما لم يتفق كتابة على غير ذلك. وفي هذه الحالة لا يجوز لأحدهم الانفراد بمباشرة حقوق المؤلف إلا باتفاق مكتوب بينهم، فإذا كان اشتراك كل من المؤلفين يندرج تحت نوع مختلف من الفن، كان لكل منهم الحق في استغلال الجزء الذي ساهم به على حدة، بشرط ألا يضر ذلك باستغلال المصنف المشترك ما لم يتفق كتابة على غير ذلك”. ولكل منهم الحق في رفع الدعاوى عند وقوع الاعتداء على أي حق من حقوق المؤلف، وإذا مات أحد المؤلفين الشركاء دون خلف عام أو خاص، يئول نصيبه إلى باقي الشركاء أو خلفهم، ما لم يتفق كتابة على غير ذلك.
2. المقصود بالمصنفات
حددت المادة ١٣٨ من قانون الملكية الفكرية المقصود بالمصنف والمقصود بالابتكار، فطبقا لهذه المادة “المصذف: كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي، أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض من تصنيفه”، وأما الابتكار فهو: “الطابع الإبداعي الذي يسبغ الأصالة على المصنف”؛ وبعد أن حددت المادة ١٣٨ المقصود بالمصنفات، جاءت المادة ١٤٠ من نفس القانون بتعداد طويل لأنواع متعددة من المصنفات التي تتمتع بالحماية إذ تنص على أنه: “تتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية، وبوجه خاص المصنفات الآتية:
- الكتب، والكتيبات، والمقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة.
- برامج الحاسب الآلي.
- قواعد البيانات، سواء كانت مقروءة من الحاسب الآلي أو من غيره.
- المحاضرات، والخطب، والمواعظ، وأية مصنفات شفوية أخرى إذا كانت مسجلة.
- المصنفات التمثيلية والتمثيليات الموسيقية والتمثيل الصامت (البانتوميم).
- المصنفات الموسيقية بالألفاظ أو غير المقترنة.
- المصنفات السمعية البصرية.
- مصنفات العمارة.
- مصنفات الرسم بالخطوط أو بالألوان، والنحت، والطباعة على الحجر، وعلى الأقمشة، وأية مصنفات مماثلة في مجال الفنون الجميلة.
- المصنفات الفوتوغرافية وما يماثلها.
- مصنفات الفن التطبيقي والتشكيلي.
- الصور التوضيحية، والخرائط الرغر١فية والرسومات التخطيطية (الاسكتشات)، والمصنفات الثلاثية الأبعاد المتعلقة بالجفرافيا أو الطبوغرافيا أو التصميمات المعمارية.
- المصنفات المشتقة، وذلك دون الإخلال بالحماية المقررة للمصنفات التي اشتقت منها.
وتشمل الحماية عنوان المصنف إذا كان مبتكراً”.
ويلاحظ بعد هذا التعداد الطويل أنه ليس واردا على سبيل الحصر، لكن على سبيل المثال، بدليل أن المادة ١٤٠ السابق إيراد نصها، جاء في فقرتها الأولى أن حماية قانون الملكية الفكرية يشمل “بوجه خاص المصنفات الآتية”، وهذا يعني أن أي مصنف أدبي أو فني يتمتع بهذه الحماية، حتى ولو لم يكن ضمن التعداد الوارد في النص، ما دام يصدق عليه مصطلح المصنفات المحدد مضمونه في المادة ٣٨ ١ السابق ذكرها؛ وعلى العكس من ذلك، فإن المشرع استبعد من نطاق الحماية أعمالاً أخرى لا يصدق عليها وصف المصنف، فقد نصت المادة ١٤١ على أنه:
“لا تشمل الحماية مجرد الأفكار والإجراءات وأساليب العمل وطرق التشغيل والمفاهيم والمبادئ والاكتشافات والبيانات، ولو كان معبرا عنها أو موصوفة أو موضحة أو مدرجة في مصنف؛ كذلك لا تشمل ما يلي:
- أولا: الوثائق الرسمية، أيا كانت لغتها الأصلية أو اللغة المنقولة إليها، مثل نصوص القوانين، واللوائح، والقرارات، والاتفاقيات الدولية، والأحكام القضائية، وأحكام المحكمين، والقرارات الصادرة من اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
- ثانيا: أخبار الحوادث، والوقائع الجارية التي تكون مجرد أخبار صحفية.
ومع ذلك تتمتع مجموعات ما تقدم، بالحماية إذا تميز جمعها بالابتكار في الترتيب والعرض أو بأي مجهود شخصي جدير بالحماية”٠
ثانياً:- مضمون حق المؤلف
حق المؤلف، باعتباره حقا ذهنيا، يتضمن جانبين: جانب معنوي أو أدبي يسمى الحق الأدبي للمؤلف، وجانب مالي، يسمى الحق المالي للمؤلف؛ وكل من هذين الحقين يمنح المؤلف سلطات معينة، كما أن له خصائص مميزة وهذا ما نعرضه فيما يلي:
أ. الحق الأدبي للمؤلف
السلطات التي يتضمنها الحق الأدبي للمؤلف
تنص المادة ١٤٣ من قانون الملكية الفكرية على الآتي: “يتمتع المؤلف وخلفه العام – على المصنف – بحقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم أو للتنازل عنها، وتشمل هذه الحقوق ما يلي:
- أولاً: الحق في إتاحة المصنف للجمهور لأول مرة.
- ثانياً: الحق في نسبة المصنف إلى مؤلفه.
- ثالثاً: الحق في منع تعديل المصنف تعديلا يعتبره المؤلف تشويها أو تحريفاً له،…”
كما تنص المادة ١٤٤ على أنه: “للمؤلف وحده – إذا طرأت أسباب جدية – أن يطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بمنع طرح مصنفه للتداول أو يسحبه من التداول أو بإدخال تعديلات جوهرية عليه…”.
يتضح من نص المادتين السابقتين أن للمؤلف على مصنفه سلطات أدبية، تتمثل في أربع هي:
1. سلطة تقرير نشر المصنف وتحديد طريقة النشر
وهذه السلطة التي عبرت عنها المادة ١٤٣ /أولأ بالحق في إتاحة المصنف للجمهور لأول مرة. وللمؤلف سلطة تقديرية بشأن تقرير نشر مصنفه من عدمه، وإذا قرر النشر، فله اختيار الطريقة التي يتم بها هذا النشر. والعلة في ذلك أن المصنف يعتبر ثمرة فكر المؤلف وخياله، وانعكاسا لشخصيته، ولذلك قد يقرر نشره متى وجد ذلك ملائماً، وقد يقرر عدم نشرة لاعتبارات متعلقة بسمعته الادبية أو العلمية، إذا وجد أن المصنف لم يرق بعد إلى المستوى الواجب في نظره، والذي يرتاح المؤلف لإذاعته على الناس وإلقائه في التداول؛ ومتى قرر المؤلف شر مصنفه، فإنه هو وحده الذي يقرر الطريقة التي يتم بها شر المصنف، فيقرر نشره في صورة كتابية أو شفوية أو غيرها من الطرق، ولا يستطيع أحد غيره أن يقوم بتكرار النشر بالطريقة التي اختارها المؤلف أو بغيرها من الطرق إلا بإذنه، وطبقا لما يتفق عليه مع المؤلف.
وإذا كانت القاعدة العامة هي أن الحق في تقرير النشر وطريقته حق مقصور على المؤلف إلا أن المشرع خرج على هذا الأصل في بعض الأحيان، مراعاة للصالح العام، فأجاز تكرار النشر أو إجرائه بطريقة أخرى في أحوال استثنائية؛ ومن هذا القبيل ما نصت عليه المادتان ١٧١ و ١٧٢ من قانون الملكية الفكرية، فالمادة ١٧١ تنص على أنه: “مع عدم الإخلال بحقوق المؤلف الأدبية طبقا لأحكام هذا القانون، ليس للمؤلف بعد نشر مصنفه أن يمنع الغير من القيام بأي عمل من الأعمال الآتية:”، ثم ذكرت المادة في تعداد طويل وتفصيل كبير هذه الأعمال، ننكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
“أداء المصنف في اجتماعات داخل إطار عائلي، أو بطلاب داخل المنشأة التعليمية مادام ذلك يتم بدون تحصيل مقابل مالي مباشر أو غير مباشر” (مادة ١٧١ /أولا)، “عمل نسخة وحيدة من المصنف، لاستعمال الناسخ الشخصي المحض وبشرط ألا يخل هذا النسخ بالاستغلال العادي أو يلحق ضررا غير مبرر بالمصالح المشروعة للمؤلف أو لأصحاب حق المؤلف”.
وكذلك فإن المادة ١٧٢ نصت على أنه: مع عدم الإخلال بحقوق المؤلف الأدبية، طبقا لأحكام هذا القانون، فليس للمؤلف أو خلفه أن يمنع الصحف أو الدوريات أو هيئات الإذاعة، في الحدود التي تبررها أغراضها مما يلي…، وذكرت عدة حالات منها: “نشر مقتطفات من مصنفاته التي أتيحت للجمهور بصورة مشروعة، ومقالاته المنشورة المتعلقة بالموضوعات التي تشغل الرأي العام في وقت معين، ما لم يكن المؤلف قد حظر ذلك عند النشر، وبشرط الإشارة إلى المصدر الذي نقلت عنه وإلى اسم المؤلف وعنوان المصنف” (م١٧٢ /أولا).
2. سلطة نسبة المصنف إلى مؤلفه
وقد ورد ذكر هذه السلطة بالمادة ١٤٣ /ثانيا، سالفة الذكر؛ فمن المنطقي أن من ينتج إنتاجا ذهنيا يكون له الحق في أن ينسب إنتاجه إليه، فتكون له أبوة المصنف الذي يعد ابتكارا له، ويترتب على ذلك أن يكون للمؤلف نشر مصنفه حاملا اسمه الحقيقي، أو اسما مستعارا يختاره، أو حتى دون ذكر اسم، بشرط ألا يقوم شك في معرفة حقيقة شخصه، فإذا قام الشك اعتبر ناشر أو منتج المصنف، سواء أكان شخصا طبيعيا أم اعتباريا، ممثلا للمؤلف في مباشرة حقوقه، إلى أن يتم التعرف على حقيقة شخص المؤلف (مادة ٣٨ ١ /٣ من قانون الملكية الفكرية).
3. سلطة التعديل في المصنف
من حق المؤلف أن يجري ما يشاء من تعديل في مصنفه، سواء بالحذف أو بالإضافة، أو بتحويل المصنف من لون من ألوان الأدب أو الفن أو العلم إلى لون آخر، ولا يجوز لغيره أن يباشر شيئا من ذلك إلا بإذنه، وفي هذا نصت المادة ١٤٣/ثالثا من قانون الملكية الفكرية على أن للمؤلف “الحق في منع تعديل المصنف تعديلا يعتبره المؤلف تشويها أو تحريفا له، ولا يعد التعديل في مجال الترجمة اعتداء إلا إذا أغفل المترجم الإشارة إلى مواطن الحذف أو التغيير أو أساء بعمله لسمعة المؤلف ومكانته”.
فإذا كان المصنف كتابا، فلمؤلفه أن يضيف إليه فصولاً أو بنودا جديدة، أو يحذف منه أخرى. وإذا كان المصنف قصة، فللمؤلف أن يحولها إلى فيلم سينمائي، وله أن يعهد إلى الغير بالتعديل في مصنفه أو التحوير فيه، ولكن الغير لا يستطيع إجراء ذلك دون إذن المؤلف. ومن حق الأخير أن يمنعه من ذلك حتى لو كان المؤلف قد منح الغير حق الاستغلال المالي، لأن هذا التصرف لأ يؤدي لانتقال حق التعديل إلى الغير بل يبقى للمؤلف. (مادة ١٤٤ من قانون الملكية الفكرية).
4. سلطة سحب المصنف من التداول
تنص المادة ١٤٤ من قانون الملكية الفكرية على أن: “للمؤلف وحده – إذا طرأت أسباب جدية – أن يطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بمنع طرح مصنفه للتداول أو بسحبه من التداول أو بإدخال تعديلات جوهرية عليه، برغم تصرفه في حقوق الاستغلال المالي، ويلزم المؤلف في هذه الحالة أن يعوض مقدما من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي تعويضا عادلاً يدفع في غضون أجل تحدده المحكمة، وإلا زال كل أثر للحكم”.
والحقيقة أن سلطة المؤلف في سحب مصنفه من التداول، مسألة منطقية ومن السهل تبريرها، فالمصنف باعتباره انعكاسا لشخصية المؤلف يؤثر تأثيرا كبيرا في سمعته الأدبية أو العلمية أو الفنية، وقد يكتشف المؤلف بعد نشر مصنفه أن في تداوله بين الناس ما يضر بهذه السمعة، نظرا لأن الظروف التي وضع فيها المصنف قد تغيرت، مما يعني أنه لم يعد في المستوى الذي وصل إليه المؤلف من الناحية العلمية أو الأدبية أو الفنية، أو لم يعد ملائما لظروف جديدة تقتضي التعديل فيه ليصبح مسايرا لها، وعندئذ يكون من حقه سحب المصنف من التداول.
بيد أن المؤلف قد يكون منح أحد الناشرين حق الاستغلال المالي للمصنف، وعندئذ فإن سحب مصنفه من التداول سيترتب عليه ضرر للناشر؛ ولذلك فإن المشرع، بنص المادة ١٤٤ سالف الذكر، قيد سلطة المؤلف في سحب مصنفه من التداول بوجوب اللجوء للقضاء، فألزمته أن يطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بمنع طرح مصنفه في التداول أو بسحبه من التداول رغم تصرفه في حقوق الاستغلال المالي، وذلك إذا طرأت أسباب جدية تبرر ذلك.
وبالطبع فإن تقدير مدى جدية هذه الأسباب متروك للقضاء، فإذا رأت المحكمة أن هذه الأسباب جدية، حكمت بمنع طرح المصنف في التداول أو بسحبه من التداول، إلا أنه حفاظا على حقوق من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي، فإن المحكمة تحكم له بتعويض عادل يلتزم بدفعه المؤلف مقدما في غضون أجل معين تحدده المحكمة، وإلا زال كل أثر للحكم.
خصائص الحق الأدبي للمؤلف
الحق الأدبي للمؤلف يعتبر من الحقوق غير المالية التي لا يمكن تقديرها بالنقود، وذلك لاتصالها بشخصية المؤلف؛ ويترتب على ذلك ثبوت عدة خصائص لهذا الحق نعرضها فيما يلي:
1. الحق الأدبي غير قابل للتصرف فيه
نظرا لأن الحق الأدبي للمؤلف متعلق بشخصه، فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيه، سواء بمقابل أو بدون مقابل؛ وقد نصت على هذا الحكم صراحة المادة ١٤٥ من قانون الملكية الفكرية، بقولها: “يقع باطلا بطلانا مطلقا كل تصرف يرد على أي من الحقوق الأدبية المنصوص عليها في المادتين (١٤٣) و (١٤٤) من هذا القانون”- والحقوق المنصوص عليها في هاتين المادتين هي السلطات الأربع، التي تكون مضمون الحق الأدبي للمؤلف السابق توضيحها.
2. الحق الأدبي لا يجوز الحجز عليه
الحجز قد يؤدي إلى البيع؛ ولما كان الحق الأدبي غير قابل للتصرف فيه، فإن ذلك يستتبع بالضرورة بطلان الحجز، إلا أنه يلاحظ أن الحجز على نسخ المصنف الذي نشر بالفعل جائز، لأن هذه النسخ أموال مادية يمكن الحجز عليها، ومثال ذلك نسخ الكتاب الذي نشر أو الفيلم الذي تم إنتاجه.
3. الحق الأدبي دائم
الحق الأدبي لا يسقط بالتقادم، بل يظل باقيا حتى بعد وفاة المؤلف، إذ يظل المصنف منسوبا إليه؛ وفي هذا نصت المادة ١٤٣ من قانون الملكية الفكرية على أنه: “يتمتع المؤلف وخلفه العام – على المصنف – بحقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم أو للتنازل عنها…” ويتضح من نص هذه المادة أن الحقوق الأدبية للمؤلف تنتقل إلى الخلف العام.
ب. الحق المالي للمؤلف
سلطات الحق المالي للمؤلف
يتضمن الحق المالي للمؤلف سلطته في استغلال مصنفه لكي يستفيد منه ماليا، سواء قام بهذا بنفسه أم عهد إلى الغير بذلك بمقابل؛ والاستغلال المالي للمصنف يكون بنشره على الناس بمقابل، سواء كان ذلك مباشرة أو بطريق غير مباشر. والطريقة المباشرة تسمى الأداء العلني، وهي تتمثل في نقل المصنف مباشرة إلى الجمهور بأية صورة، كالتلاوة العلنية أو التوقيع الموسيقي أو التمثيل المسرحى أو الإذاعة أو التليفزيون أو السينما…إلخ؛ أما الطريقة غير المباشرة فتتمثل في عمل نماذج من المصنف، أي بنشر صورة منه تكون في متناول الجمهور، كطبع كتاب في نسخ أو تسجيل أغنية على شرائط أو شر صور فوتوغرافية للوحة مرسومة، واستغلال المصنف قد يتم بصورته الأصلية أو بعد تحويله إلى لون آخر من ألوان الفن او بترجمته.
وقد نصت المادة ١٤٧ من قانون الملكية الفكرية على الحق المالي للمؤلف بقولها: “يتمتع المؤلف وخلفه العام من بعده، بحق استئثاري في الترخيص أو المنع لأي استغلال لمصنفه بأي وجه من الوجوه، وبخاصة عن طريق النسخ أو البث الإذاعي أو إعادة البث الإذاعي أو الأداء العلني أو التوصيل العلني، أو الترجمة، أو التحوير أو التأجير أو الإعارة أو الإتاحة للجمهور، بما في ذلك إتاحته عبر أجهزة الحاسب الآلي أو من خلال شبكات الإنترنت أو شبكات المعلومات أو شبكات الانصالات وغيرها من الوسائل”.
خصائص الحق المالي للمؤلف
نظرا للطبيعة المالية لهذا الحق، فإن له خصائص الحقوق المالية عموما، إلا أن اتصال الحق الذهني بشخص المؤلف يؤدي إلى تقييد هذه الخصائص على نحو ما سنراه فيما يلي:
1. قابلية الحق المالي للتصرف فيه
تنص المادة ١٤٩ من قانون الملكية الفكرية على أنه: “للمؤلف أن ينقل إلى الغير كل أو بعض حقوقه المالية المبينة في هذا القانون”، فهذا النص يقرر صراحة حق المؤلف في التصرف في حقوقه المالية على مصنفه، إلا أن المشرع قد وضع شروطا لهذا التصرف أوردتها المادة ١٤٩ بقولها: “ويشترط لانعقاد التصرف أن يكون مكتوبا، وأن يحدد فيه صراحة وبالتفصيل، كل حق على حدة، يكون محلا للتصرف مع بيان مداه، والغرض منه، ومدة الاستغلال، ومكانه”؛ ويتبين من هذا النص أن المشرع قد اشترط في هذا التصرف شرطا شكليا هو الكتابة، والكتابة هنا شرط للانعقاد، وليس لمجرد الإثبات، وبالتالي يترقب على تخلف هذا الشرط أن يقع التصرف باطلا بطلانا مطلقا، كما أن هذا النص قد حرص على تطلب التحديد الواضح لمحل التصرف، فيحدد كل حق على حدة، يكون محلا للتصرف مع بيان مداه، والغرض منه، ومدة الاستغلال، ومكانه.
وحرصا من المشرع على تقدير نسبية أثر التصرف في الحق المالي للمؤلف، نصت الفقرة الثالثة من المادة ١٤٩ على أنه: “ويكون المؤلف مالكا لكل ما لم يتنازل عنه صراحة من حقوق مالية، ولا يعد ترخيصه باستغلال أحد هذه الحقوق ترخيصا منه باستغلال أي حق مالي آخر يتمتع به على المصنف نفسه”، كما نصت المادة ١٥٢ من قانون الملكية الفكرية على أنه “لا يترتب على تصرف المؤلف في النسخة الأصلية من مصنفه، أيا كان نوع هذا الصرف، نقل حقوقه المالية. ومع ذلك لا يجوز إلزام المتصرف إليه بأن يُمكن المؤلف من نسخ أو نقل أو عرض النسخة الأصلية، وذلك كله ما لم يتفق على غير ذلك”.
ولما كان حق الاستغلال المالي يقتضي بالضرورة أن يكون التصرف في حق المؤلف بمقابل مالي، فإن المشرع قد أورد حكما هاما خاصا بتقدير هذا المقابل، حيث نصت المادة ١٥٠ على أنه: “للمؤلف أن يتقاضى المقابل النقدي أو العيني الذي يراه عادلا نظير نقل حق أو أكثر من حقوق الاستغلال المالي لمصنفه إلى الغير، على أساس مشاركة نسبية في الإيراد الناتج من الاستغلال، كما يجوز له التعاقد على أساس مبلغ جزافي أو الجمع بين الأساسين”، كما نصت المادة ١٥١ على أنه: “إذا تبين أن الاتفاق المشار إليه في المادة ١٥٠ من هذا القانون مجحف بحقوق المؤلف أو أصبح كذلك، لظروف طرأت بعد التعاقد، يكون للمؤلف أو خلفه أن يلجأ إلى المحكمة الابتدائية بطلب إعادة النظر في قيمة المقابل المتفق عليه مع مراعاة حقوق المتعاقد معه وعدم الإضرار بها”.
وتصرف المؤلف في حقوقه المالية على مصنفه قد ينصب على مصنف تم إنتاجه بالفعل أو على مصنف مستقبل، ذلك أن التصرف في المال المستقبل جائز كقاعدة عامة، إلا أن المشرع بنص المادة ١٥٣ من قانون الملكية الفكرية قد حظر تصرف المؤلف في مجموع إنتاجه الفكري المستقبل بقوله: “يقع باطلا بطلانا مطلقا كل تصرف للمؤلف في مجموع إنتاجه الفكري المستقبلي”.
ويعلل هذا الحكم بأن تصرف المؤلف في مجموع إنتاجه الفكري المستقبلي فيه مساس بحرية المؤلف، وبالتالي يكون مخالفا للنظام العام؛ ونود أن نشير في النهاية إلى أن تصرف المؤلف في حق الاستغلال المالي للمصنف يفترق عن صرفه في بعض نسخ المصنف، لأن تصرفه في بعض النسخ لا يعطي المتصرف إليه حق الاستغلال المالي للمصنف، وإنما مجرد حق في هذه النسخ ذاتها فقط، وبالتالي لا يجوز للمتصرف إليه في هذه الحالة عمل نسخ جديدة يبيعها للجمهور حتى لو كانت النسخة التي اشتراها هي النسخة الأصلية، وذلك ما تنص عليه صراحة المادة ١٥٢ من قانون الملكية الفكرية السابق إيراد نصها.
2. الحجز على الحق المالي
فيما يتعلق بالحجز على الحق المالي نصت المادة ١٥٤ من قانون الملكية الفكرية على أنه: “يجوز الحجز على الحقوق المالية للمؤلفين على المنشور أو المتاح للتداول من مصنفاتهم. ولا يجوز الحجز على المصنفات التي يتوفى صاحبها قبل نشرها ما لم يثبت أن إرادته قد انصرفت إلى نشرها قبل وفاته”. ويتبين من هذا النص أن المشرع بخصوص الحجز على الحق المالي للمؤلف — قد ميز بين فرضين:
- الأول: الحقوق المالية على المصنفات التي لم يتم نشرها بعد، وهذه لا يجوز الحجز عليها لأن الحجز عليها سيؤدي إلى بيعها لاستخدام حصيلة البيع في سداد ديون المؤلف، ولكن مشتري حق الاستغلال في المزاد لن يتمكن من الاستفادة منه إلا عن طريق النشر، بيد أن تقرير نشر المصنف أو عدم نشره تمثل سلطة من سلطات الحق الأدبي للمؤلف وحده – كما رأينا – (مادة ٤٣ ٢/١ من قانون الملكية الفكرية)، ولا يجوز أن يمارس هذا الحق شخص غيره إلا بإذنه، ومعنى هذا أن مشتري حق الاستغلال لن تكون له مصلحة في شرائه، أي أن الحجز لن يحقق الغرض منه، وبالتالي فهو غير جائز، وبالطبع يدخل تحت حكم هذا الفرض المصنفات التي يتوفى صاحبها قبل نشرها، ما لم يثبت أن إرادته قد انصرفت إلى نشرها قبل وفاته.
- الثاني: الحقوق المالية على المصنفات المنشورة أو المتاحة للتداول، وهذه يجوز الحجز عليها، لأنها أما وقد نشرت فإن مشتريها ليس بحاجة لإذن المؤلف لاستغلالها ماليا، حيث سبق له أن وافق على نشرها؛ وينطبق هذا الحكم على المصنفات التي يتوفى صاحبها قبل نشرها إذا ثبت أن إرادته قد انصرفت إلى نشرها قبل وفاته.
وغني عن البيان أنه يجوز الحجز على نسخ المصنف الذي تم نشره، إذ تعتبر هذه النسخ من الأموال المنقولة التي يرد عليها الحجز كغيرها من أموال المدين.
3. انتقال الحق المالي إلى الورثة
لما كان الحق المالي يمثل عنصرا في الذمة المالية للمؤلف، فإنه ينتقل إلى ورثته كسائر الحقوق المالية، كما أنه يوصي به، وقد رأينا أن المادة ١٤٧ من قانون الملكية الفكرية التي تتناول الحق المالي للمؤلف تنص صراحة على أنه: “يتمتع المؤلف وخلفه العام من بعده بحق استئثاري في الترخيص أو المنع لأي استغلال لمصنفه ..”، كما جاء في الفقرة الثالثة من نفس المادة نصها الآتي: “كما يتمتع المؤلف وخلفه من بعده بالحق في تتبع أعمال التصرف في النسخة الأصلية …”.
وإذا كان المصنف مشتركا، ومات أحد المؤلفين الشركاء دون خلف عام أو خاص، يئول نصيبه إلى باقي الشركاء أو خلفهم، ما لم يتفق كتابة على غير ذلك (مادة ١٧٤ /ه من قانون الملكية الفكرية).
4. تقادم الحق المالي للمؤلف
الحق المالي للمؤلف حق مؤقت يسقط بمضي مدة معينة بعدها يصير من حق الجميع الاستفادة منه بنشر المصنف واستغلاله دون إذن من الورثة، والعلة في هذا التأقيت أن المصنف يعتبر من التراث الفكري للمجتمع والإنسانية كلها، فلابد أن تتاح الفرصة للجميع بعد مدة معينة للاستفادة منه بعد أن يكون المؤلف وورثته قد حصلوا من ورائه على عائد مناسب؛ والقاعدة العامة التي نص عليها المشرع بصدد مدة تقادم حق المؤلف هي خمسون سنة، حيث تنص المادة ٦٠ ١ من قانون الملكية الفكرية على أنه: “تحمى الحقوق المالية للمؤلف المنصوص عليها في هذا القانون مدة حياته، ولمدة خمسين سنة تبدأ من تاريخ وفاة المؤلف”.
وإذا كنا بصدد مصنف مشترك، فإن الحقوق المالية لمؤلفي هذا المصنف تحمى لمدة حياتهم جميعا ولمدة خمسين سنة تبدأ من تاريخ وفاة آخر من بقي حيا منهم (مادة ١ ٦ ١ من نفس القانون)، أما بالنسبة للمصنفات الجماعية فقد نصت المادة ٦٢ ١ من ذات القانون على أنه: “تحمى الحقوق المالية لمؤلفي المصنفات الجماعية – باستثناء مؤلفي مصنفات الفن التطبيقي – مدة خمسين سنة تبدأ من تاريخ نشرها أو لإتاحتها للجمهور لأول مرة أيهما أبعد، وذلك إذا كان مالك حقوق المؤلف شخصا اعتباريا، أما إذا كان مالك هذه الحقوق شخصا طبيعيا فتكون مدة الحماية طبقا للقواعد المنصوص عليها في المادتين ٦٠ ١ ، ١ ٦ ١ من هذا القانون.
وتنقضي الحقوق المالية على المصنفات التي تنشر لأول مرة بعد وفاة مؤلفها بمضي خمسين سنة، تبدأ من تاريخ نشرها أو إتاحتها للجمهور لأول مرة أيهما أبعدا، وأما بالنسبة للحقوق المالية على المصنفات التي تنشر بدون اسم مؤلفها أو باسم مستعار، فإنها تحمى لمدة خمسين سنة تبدأ من تاريخ نشرها أو إتاحتها للجمهور لأول مرة أيهما أبعد، فإذا كان مؤلفها شخصا معروفا ومحددا أو كشف مؤلفها عن شخصه، فتكون مدة الحماية طبقا للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة ٦٠ ١ من هذا القانون (مادة ٦٣ ١).
أما مصنفات الفن التطبيقي فتنقضي حقوق المؤلفين المالية عليها بمضي خمس وعشرين سنة تبدأ من تاريخ نشرها أو إتاحتها للجمهور لأول مرة أيهما أبعد (مادة ١٦٤)، وأخيرا فإن المشرع حدد مدة قصيرة لتقادم حق المؤلف هي ثلاث سنوات فقط في حالة ما إذا لم يقم المؤلف بترجمة مصنفه من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية، إذ بعد مضي هذه المدة من تاريخ أول نشر للمصنف الأصلي أو المترجم يسقط حق المؤلف في استغلال مصنفه عن طريق ترجمته إلى اللغة العربية، ويستطيع أي شخص أن يقوم بالاستغلال في هذه الصورة دون إذن المؤلف (مادة ٤٨ ١ من نفس القانون).
وفي النهاية فإن المشرع قد أورد قاعدة عامة بخصوص كيفية حساب مدة تقادم الحق المالي للمؤلف، إذ نصت المادة ٦٥ ١ على أنه: “في الأحوال التي تحسب فيها مدة الحماية من تاريخ النشر أو الإتاحة للجمهور لأول مرة، يتخذ تاريخ أول نشر أو أول إتاحة للجمهور أيهما أبعد مبدأ لحساب المدة، بفض النظر عن إعادة النشر أو إعادة الإتاحة للجمهور إلا إذا أدخل المؤلف على مصنفه عند الإعادة تعديلات جوهرية بحيث يمكن اعتباره مصنفا جديدا. فإذا كان المصنف يتكون من عدة أجزاء أو مجلدات نشرت منفصلة وعلى فترات، فيعتبر كل جزء أو مجلد مصنفا مستقلا عند حساب مدة الحماية”.
ثالثا:- الحماية القانونية لحق المؤلف
قرر قانون الملكية الفكرية حماية خاصة لحق المؤلف في حالة الاعتداء عليه، وذلك بالنص على إجراءات تحفظية تتخذ عند وقوع هذا الاعتداء لحين رفع دعوى مدنية لوقفه، والحكم بالتعويض للمؤلف، وفضلا عن ذلك نص هذا القانون على حماية جنائية لهذا الحق. وفيما يلي نتناول بإيجاز الإجراءات التحفظية، ثم الجزاء المدني، وأخيرا الجزاءات الجنائية.
أ. الإجراءات التحفظية
نص قانون الملكية الفكرية على إجراءات تحفظية يمكن أن تأمر بها المحكمة في حالة الاعتداء على حق المؤلف، وهي إجراءات وقتية لحين رفع دعوى مدنية لوقف الاعتداء أو التعويض عما سببه من أضرار للمؤلف أو خلفه؛ وهذه الإجراءات نصت عليها المادة ١٧٩ من هذا القانون بقولها: “لرئيس المحكمة المختصة بأصل النزاع، بناء على طلب ذي الشأن، وبمقتضى أمر يصدر على عريضة، أن يأمر بإجراء أو أكثر من الإجراءات التالية أو غيرها من الإجراءات التحفظية المناسبة، وذلك عند الاعتداء على أي من الحقوق المنصوص عليها في هذا الكتاب: (أي الكتاب الثالث الخاص بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة).
- إجراء وصف تفصيلي للمصنف أو الأداء أو التسجيل الصوتي أو البرنامج الإذاعي.
- وقف نشر المصنف أو الأداء أو التسجيل الصوتي أو البرنامج الإذاعي أو عرضه أو فسخه أو صناعته.
- توقيع الحجز على المصنف أو التسجيل الصوتي أو البرنامج الإذاعي الأصلي أو على نسخه، وكذلك على المواد التي تستعمل في إعادة نشر هذا المصنف أو الأداء أو التسجيل الصوتي أو البرنامج الإذاعي أو استخراج نسخ منه، بشرط أن نكون تلك المواد غير صالحة إلا لإعادة نشر المصنف أو الأداء أو التسجيل الصوتي أو البرنامج الإذاعي.
- إثبات واقعة الاعتداء على الحق محل الحماية.
- حصر الإيراد الناتج عن استغلال المصنف أو الأداء أو التسجيل الصوتي أو البرنامج الإذاعي وتوقيع الحجز على هذا الإيراد في جميع الأحوال.
ولرئيس المحكمة في حيع الأحوال أن يأمر بندب خبير أو أكثر لمعاونة المحضر المكلف بالتنفيذ، وأن يفرض على الطالب إيداع كفالة مناسبة، ويجب أن يرفع الطالب أصل النزاع خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور الأمر وإلا زال كل أثر لها”. وقد قررت المادة ١٨٠ من قانون الملكية الفكرية — التظلم من الأمر الذي يقرر الإجراءات المنصوص عليها بالمادة ١٧٩ .
ب. الجزاء المدني
للمؤلف رفع دعوى لوقف الاعتداء على المصنف وإزالة كل آثاره، وذلك بإعدام نسخ المصنف المقلدة والأدوات والمواد التي استعملت في نشره، بشرط ألا تكون صالحة لعمل آخر غير تقليد المصنف؛ وبالإضافة إلى ذلك تحكم المحكمة بتعويض للمؤلف أو لخلفه عما حدث من ضرر نتيجة الاعتداء على المصنف.
ج. الجزاء الجنائي
لم يكتف المشرع بالحماية المدنية لحق المؤلف، وإنما قرر له أيضا حماية جنائية بأن اعتبر أفعال الاعتداء على هذا الحق جريمة قرر لها عقوبة، فالمادة ١٨١ من قانون الملكية الفكرية نصت على أنه: “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية:
- أولا : بيع أو تأجير مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي محمي طبقا لأحكام هذا القانون، أو طرحه للتداول بأية صورة من الصور بدون إذن كتابي مسبق من المؤلف أو صاحب الحق المجاور.
- ثانيا : تقليد مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي أو بيعه أو عرضه للبيع أو للتداول أو للايجار مع العلم بتقليده.
- ثالثا : التقليد في الداخل لمصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي منشور في الخارج أو بيعه أو عرضه للبيع أو التداول أو للايجار أو تصديره إلى الخارج مع العلم بتقليده.
- رابعا: شر مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي أو أداء محمي طبقا لأحكام هذا القانون عبر أجهزة الحاسب الآلي أو شبكات الإنترنت أو شبكات المعلومات أو شبكات الاتصالات أو غيرها من الوسائل بدون إذن كتابي مسبق من المؤلف أو صاحب الحق المجاور.
- خامسا: التصنيع أو التجميع أو الاستيراد بغرض البيع أو التأجير لأي جهاز أو وسيلة أو أداة مصممة أو معدة للتحايل على حماية تقنية يستخدمها المؤلف أو صاحب الحق المجاور.
- سادسا : الإزالة أو التعطيل أو التعييب بسوء نية لأية حماية تقنية يستخدمها المؤلف أو صاحب الحق المجاور، كالتشفير أو غيره.
- سابعا: الاعتداء على أي حق أدبي أو مالي من حقوق المؤلف أو من الحقوق المجاورة المنصوص عليها في هذا القانون.
وتتعدد العقوبة بتعدد المصنفات أو التسجيلات الصوتية أو البرامج الإذاعية أو الأداءات محل الجريمة، وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه؛ وفي جميع الأحوال تقضي المحكمة بمصادرة النسخ محل الجريمة أو المتحصلة منها، وكذلك المعدات والأدوات المستخدمة في ارتكابها. ويجوز للمحكمة، عند الحكم بالإدانة، أن تقضي بغلق المنشأة التي استغلها المحكوم عليه في ارتكاب الجريمة مدة لا تزيد على ستة أشهر، ويكون الغلق وجوبيا في حالة العود في الجرائم المنصوص عليها في البندين (ثانيا وثالثا) من هذه المادة، وتقضي المحكمة بنشر ملخص الحكم الصادر بالإدانة في جريدة يومية أو أكثر على نفقة المحكوم عليه”.
مقالة ذات صلة: أنواع الجزاء – الفرق بين الجزاء الجنائي والمدني والإداري
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.