في هذه المقالة نقوم في البداية بتعريف القانون، ثم نقوم بإلقاء نظرة سريعة على مصادر القانون، ثم نقوم بتوضيح المقصود بتطبيق القانون من حيث الزمان، ثم نوضح المقصود بإلغاء القانون والسلطة التي تمتلك ذلك بالتفصيل، ثم نوضح تنازع القوانين في الزمان، ثم نناقش مبدأ رجعية القوانين بالتفصيل.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
خصائص القاعدة القانونية
ويمكننا أن نخلص من التعريف السابق للقانون بأن القاعدة القانونية تتميز بخصائص ثلاث:-
- قاعدة عامة ومجردة
- قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.
- قاعدة مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف.
مقالة ذات صلة: خصائص القاعدة القانونية – شرح بالتفصيل والأمثلة
مصادر القانون
المصادر الأصلية للقانون
- التشريع.
- مبادئ الشريعة الإسلامية . بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية فقط.
المصادر الاحتياطية للقانون
مقالة ذات صلة: مصادر القانون – المصادر المادية والتاريخية والرسمية للقانون
تعريف القانون الجنائي
القانون الجنائي هو مجموعة القواعد التي تسنها الدولة لتنظيم حقها فى العقاب، ويشتمل القانون الجنائى على القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات، بالإضافة الى القواعد التي تبين الإجراءات الكفيلة باكتشاف الجرائم ومحاكمة مرتكبيها وتنفيذ العقوبة فيهم، ويتضح من هذا التعريف أن القانون الجنائى يحتوى على طائفتين من القواعد :
- الأولى : طائفة القواعد التى تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لكل جريمة منها، ويطلق على هذه القواعد تعبير القانون الجنائي الموضوعي أو قانون العقوبات، وفى بعض الدول العربية، يطلق عليها القانون الجزائي.
- الثانية : طائفة القواعد التي تحدد اجراءات اكتشاف الجرائم وكيفيه المحاكمة، وتنفيذ العقوبات المحكوم بها، ويطلق على هذه القواعد تعبير القانون الجنائي الإجرائي أو قانون الإجراءات الجنائية، أو قانون أصول المحاكمات الجزائية فى بعض الدول العربية.
والصلة وثيقة بين شقتى القانون الجنائى، فطائفة القواعد الإجرائية تحدد الإجراءات الواجب اتباعها لتطبيق القواعد الموضوعية، لذلك يكمل كل شق منهما الشق الآخر، ولا يسوغ وجود أحدهما دون الآخر؛ فقواعد قانون العقوبات التي تحدد الجرائم وعقوباتها، لا يمكن أن تنطبق بغير إجراءات محددة، تبين سبل اكتشاف الجريمة وكيفية التحقيق لاكتشاف مرتكبها ومحاكمته وتنفيذ العقوبة المحكوم بها فيه؛ ويتضح مما تقدم أن قانون العقوبات فرع من القانون الجنائي، أو هو القانون الجنائى فى شقه الموضوعي.
مقالة ذات صلة: القانون الجنائي: تعريفه، أهدافه، خصائصه، علاقته بالقوانين الأخرى
نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان
يتحدد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان بتحديد وقت بدء العمل به ووقت إنهاء العمل به، فالقانون يبدأ في السريان منذ صدوره ونفاذه وينتهي عند إلغائه، ومعنى ذلك أن القانون لا يحكم الوقائع التي نشأت قبل نفاذه أو بعد إلغائه؛ وقد سبق لنا أن عرضنا لمسألة صدور القانون ونفاذه، ورأينا أن مع إصدار القانون ومرور فترة معينة على نشره بالجريدة الرسمية يعتبر القانون نافذا ويلتزم جميع المخاطبين به بالعمل بمقتضاه؛ أما الإلغاء، فسنحاول من خلال هذا المبحث أن نتعرف على المقصود به والسلطة التي تملكه، فضلا عن التعرض لصوره المختلفة.
على أننا متى انتهينا من بحث إلغاء القانون، سنجد أسسنا بصدد مسألة أخرى تثور في حالة ما إذا صدر قانون جديد ليحل محل قانون قديم في تنظيم موضوع معين، إذ يظهر التنازع بين القانونين لمعرفة الحد الفاصل بين نطاق تطبيق كل منهما، وقد درج الفقه على عرض هذه المسألة تحت عنوان ” تنازع القوانين في الزمان”؛ وعلى ضوء ما تقدم، نقسم هذا المبحث إلى مطلبين : نتناول في المطلب الأول إلغاء القانون، في حين نخصص المطلب الثاني لبحث مشكلة تنازع القوانين في الزمان.
مقالة ذات صلة: نفاذ التشريع العادي – إصدار التشريع و نشر التشريع
إلغاء القانون
المقصود بإلغاء القانون
يقصد بإلغاء القانون إنهاء العمل به، ورفع قوته الملزمة، بحيث لا يصبح ساريا ابتداء من هذا الوقت؛ ولتوضيح معنى الإلغاء نشير إلى أن القواعد القانونية توضع، بحسب الأصل، لتنظم سلوك الأفراد خلال فترة زمنية غير معلومة، غير أن طول مدة سريان هذه القواعد لا يعني أنها تتسم بالخلود أو التأبيد، إذ من المؤكد أنها تحتاج، مع مرور الوقت، أن تتطور مع التطورات والتغيرات التي تطرأ على العلاقات الاجتماعية التي تحكمها؛ ومن هنا كانت أهمية فكرة إلغاء القواعد القانونية، بمعنى أن الحاجة إلى تغيير قاعدة قانونية معينة -نتيجة عدم ملاءمتها للمستجدات التي تطرأ على العلاقات الاجتماعية- تقتضي إلغاء هذه القاعدة، سواء عن طريق إحلال قاعدة أخرى محلها، أو إزالتها نهائياً دون إحلال غيرها محلها.
السلطة التي تملك إلغاء القانون
لقد سبق أن رأينا حين تناول مصادر القانون، أن القواعد القانونية ليست كلها في مرتبة واحدة، إذ أنها تتدرج فيما بينها بسبب قوتها بحيت تأتي في مقدمتها القواعد التشريعية، والدين بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية، يليه العرف، ثم مبادئ الشريعة الإسلامية، وأخيرا مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (انظر بداية المقالة)؛ والقاعدة في هذا الصدد أن السلطة التي تملك إنشاء القانون هي تلك السلطة التي تملك إلغاءه، أو سلطة أعلى منها؛ وبناء عليه، سنجد أن تحديد هذه السلطة التي تملك الإلغاء يقتضي التمييز بين الأنواع المختلفة من القواعد القانونية، وعلى وجه الخصوص التمييز بين القواعد التشريعية من جهة والقواعد غير التشريعية من جهة أخرى. وبيان ذلك على النحو التالي:
أ. إلغاء القواعد التشريعية
لما كان التشريع هو أسمى القواعد القانونية وأعلاها مرتبة، ولما كان الإلغاء لا يكون إلا من جانب السلطة التي وضعت القانون أو من جانب سلطة أعلى منها، لذلك فان إلغاء القواعد التشريعية لا يكون إلا بقواعد تشريعية أخرى من ذات الدرجة أو من درجة أعلى منها، وقد أكدت على هذا المعنى المادة الثانية من القانون المدني المصري بنصها على أنه : “لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق…”.
وترتيبا على ما تقدم، ونظراً لأن القواعد التشريعية على درجات متفاوتة، إذ يأتي في مقدمتها التشريع الدستوري، ويليه التشريع العادي، ثم التشريع الفرعي ، لذلك يمكن القول بأن التشريع الدستوري لا يلغى إلا بتشريع دستوري جديد، والتشريع العادي الصادر عن السلطة التشريعية لا يلغى إلا بتشريع دستوري أو بتشريع عادي مثله، والتشريع الفرعي الصادر عن السلطة التنفيذية يلغي بتشريع دستوري أو تشريع عادي، كما يلغي بتشريع فرعي مثله؛ وبالمقابل لذلك، لا يملك التشريع الفرعي أن يلغي تشريعاً عاديا أو تشريعاً دستورياً، ولا يملك التشريع العادي أن يلغي تشريعاً دستوريا.
مقالة ذات صلة: أنواع التشريعات وكيفية سن التشريعات
ب. إلغاء القواعد غير التشريعية
واستنادا إلى تدرج القواعد القانونية، وتأكيدا على القاعدة التي تقرر بأن سلطة الإنشاء هي سلطة الإلغاء أو السلطة الأعلى منها، سنجد أن القاعدة العرفية يمكن أن تلغى بقاعدة عرفية أخرى مغايرة لها، كما يمكن أن تلفى بقاعدة تشريعية، ولكن في المقابل لذلك لا نملك القاعدة العرفية أن تلغي قاعدة تشريعية لأن هذه الأخيرة أعلى منها في المرتبة.
وبالمثل، تلغي القاعدة المستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية بقاعدة تشريعية أو عرفية، لأن اللجوء إلى هذه المبادئ يكون عند عدم وجود نص تشريعي أو عرف ينظم إحدى مسائل المعاملات المالية، فإذا وضعت قاعدة تشريعية أو نشأت قاعدة عرفية تحكم هذه المسألة، فإن القاعدة المستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية تكون قد ألغيت ويتوقف العمل بها كقاعدة قانونية ملزمة؛ ولكن يجب أن نؤكد في هذا الصدد على أنه ليس من الممكن أن يصدر تشريع أو ينشأ عرف بالمخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية، على أساس أن المادة الثانية من الدستور تؤكد على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
مقالة ذات صلة: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون المصري و دور القاضي في استخلاص مبادئ الشريعة الإسلامية
صور إلغاء القواعد التشريعية
لقد عالج المشرع في المادة الثانية من القانون المدني المصري مسألة إلغاء القواعد التشريعية فقط، دون أن يتعرض لمسألة إلغاء القواعد غير التشريعية؛ ولكن ليس معنى ذلك أن الإلغاء لا يقتصر القواعد التشريعية، إذ سبق لنا أن رأينا إمكانية إلغاء القواعد العرفية والقواعد المستمدة من الشريعة الإسلامية.
وحسنا فعل المشرع المصري باقتصاره على تنظيم مسألة إلغاء القواعد التشريعية دون غيرها؛ فمن ناحية أولى وفقا لما نصت عليه المادة الثانية من الدستور، تعتبر الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وبالتالي لن يسمح بإمكانية مخالفتها أو إلغاء القواعد المستمدة منها؛ ومن ناحية أخرى، قدر المشرع أن إلغاء القواعد العرفية لا يحدث في كثير الأحيان بالمقارنة بما عليه الحال بالنسبة للقواعد التشريعية، فضلاً عن أن إلغاء القواعد العرفية يستغرق فترة زمنية طويلة حتى يكون العرف الجديد قد ظهر واستقر في نفوس الأفراد؛ وترتيباً على ما تقدم، سنتبع ذات المسلك الذي اتبعه المشرع المصري، مكتفين بتناول إلغاء القواعد التشريعية باعتبارها هي الوضع الغالب.
وبالرجوع إلى المادة الثانية من القانون المدني المصري نجدها تنص على أنه: “لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص تتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع”؛ ويتبين لنا من هذا النص أن الإلغاء قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً. وفيما يلي نتناول كلا من هاتين الصورتين :
أولاً:- الإلغاء الصريح
يمكن القول أننا بصدد الإلغاء الصريح إذا أصدر المشرع تشريعاً جديدا ينص من خلاله صراحة على إلغاء تشريع آخر سابق عليه؛ ويكون إلغاء التشريع صريحا في حالتين:-
- الحالة الأولى – وتتحقق إذا ورد نص في تشريع لاحق يقضي صراحة بإلغاء العمل بحكم تشريع سابق، وهذه هي الطريقة المعتادة النني يسلكها المشرع المصري عند إلغائه للتشريعات؛ ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 131 لسنة 1948 م بشأن إصدار القانون المدني المصري، إذ قضت بأن: “يلغى القانون المدني المعمول به أمام المحاكم الوطنية، والصادر في 28 أكتوبر سنة 1882، والقانون المدني المعمول به أمام المحاكم المختلطة، والصادر في 28 يونيه سنة 1875، ويستعاض عنها بالقانون المدني المرافق لهذا القانون “؛ وكذلك الأمر فيما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 12 لسنة 1968 بشأن إصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، إذ قضت بأن: ” يلغى قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 عدا الباب السابع من الكتاب الأول “.
- الحالة الثانية – وتتحقق إذا كان التشريع موقوتا بمدة محددة، أي إذا كان التشريع يتضمن نصا صريحا يحدد مدة لسريانه، بحيت يصبح لاغياً بانقضاء هذه المدة المحددة، وهذه الطريقة يندر اللجوء إليها إلا في أوقات الأزمات الاقتصادية أو الحروب؛ ومن أمثلة ذلك قوانين التسعير الجبري التي كان يصدرها المشرع لمواجهة أزمات اقتصادية عارضة، إذ كان ينص فيها عادة على العمل بها لمدة زمنية محددة .
ثانيا:- الإلغاء الضمني
والإلغاء الضمني هو الذي لا يوجد نص صريح يقضي به، وإنما يستفاد ضمنا كما في حالة ما إذا صدر تشريع جديد يتضمن قاعدة تتعارض مع قاعدة موجودة في تشريع سابق، أو في حالة ما إذا صدر تشريع جديد ينظم موضوعا كاملاً سبق تنظيمه بواسطة تشريع سابق؛ ومعنى ذلك أن الإلغاء الضمني يتحقق في حالتين بيانهما على النحو التالي :
1. التعارض بين قاعدة تشريعية جديدة وأخرى قديمة
قد لا ينص المشرع صراحة في التشريع الجديد على إلغاء التشريع السابق، وإنما يضع حكما يتعارض مع الحكم السابق، وبالتالي فان هذا يعد نسخا للقواعد السابقة تأسيسا على المبدأ الذي يقرر بأن: “النص اللاحق ينسخ النص السابق المتعارض معه في الحكم “؛ غير أنه حتى يتسنى إعمال المبدأ السابق، يجب أن يكون التعارض بين التشريع الجديد والتشريع القديم تعارضا تاما، بحيث لا نستطيع أن نطبق أحكامهما في وقت واحد؛ أما إذا كان التعارض جزئيا، أي في حدود بعض الأحكام دون البعض الآخر، ففي هذه الحالة لا يكون الإلغاء إلا في حدود التعارض فقط، بمعنى أنه يستمر العمل بالتشريعين معا، ولكن لا يعمل بأحكام التشريع القديم المتعارضة مع التشريع الجديد.
على أنه أيا ما كانت طبيعة التعارض، أي سواء أكان التعارض تاما أم جزئيا، فإنه يلزم حتى يتحقق الإلغاء أن تماثل أحكام التشريعين بحيث تكون من طبيعة واحدة، بأن تكون كلها أحكاما عامة أو أحكاما خاصة؛ فإذا كان الحكم القديم عاما يلزم أن يكون الحكم الجديد عاما، وإذا كان الحكم القديم خاصا يلزم أن يكون الحكم الجديد خاصا حتى يتسنى له إلغائه؛ ولكن، ما هو الحكم إذا لم تتماثل أحكام التشريعين وكانا من طبيعة مختلفة، بأن كان أحدهما عاما والآخر خاصا؟.
أ. التعارض بين نص قديم عام ونص جديد خاص
قد يحدث تعارض بين نصوص جديدة تقرر أحكاما خاصة ونصوص قديمة تقرر أحكاما عامة، وفي هذه الحالة فان نصوص الجديدة لا تلفي النصوص القديمة كلية، وإنما تلغي فقط ما يتعارض معها في الحكم؛ ومن أمثلة ذلك أن القانون المدني كان ينظم أحكام عقد الإيجار، سواء الإيجار العادي أو ايجار الأراضي الزراعية أو غير ذلك من أشكال الإيجار المختلفة، ولكن مع صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم ١٧٨ لسنة ١٩٥٢ متضمنا لبعض الأحكام الخاصة بتنظيم عقد ايجار الأراضي الزراعية، أصبح هناك تعارض بين بعض النصوص العامة الواردة بالقانون المدني، والنصوص الخاصة بإيجار الأراضي الزراعية الواردة بقانون الإصلاح الزراعي.
وفي هذه الحالة، سنجد أن أحكام قانون الإصلاح الزراعي لا تؤدي إلى إلغاء الأحكام العامة لعقد الإيجار التي قررها القانون المدني، وإنما كل ما هنالك أنها تقيد نصوص القانون المدني فيما يتعلق بعقد ايجار الأراضي الزراعية دون غيره من عقود الإيجار الأخرى التي تخضع للقواعد العامة.
ومن أمثلة ذلك أيضا، أن القانون المدني القديم كان ينص على أن الملكية تنتقل بمجرد العقد، يستوي في ذلك العقارات والمنقولات، ثم بعد ذلك صدر قانون التسجيل في سنة ١٩٢٣، ومن بعده قانون الشهر العقاري في سنة ١٩٤٦ لينصان على أن ملكية العقارات لا تنتقل إلا بالتسجيل؛ وفي هذه الحالة، سنجد أن النص الجديد الذي تضمنه كل من قانون التسجيل وقانون الشهر العقاري هو نص خاص، في حين أن النص الذي كان يقرره القانون المدني القديم يتضمن نصا عاما، وهنا يظل النص القديم مطبقاً فيما لا تتعارض مع النص الجديد، بمعنى أن في حكم المنقولات يبقى كما هو تطبيقاً للنص القديم العام .
ب. التعارض بين نص قديم خاص ونص جديد عام
قد يحدث تعارض بين نصوص قديمة تقرر أحكاما خاصة ونصوص جديدة تقرر أحكاماً عامة، وفي هذه الحالة فإن النصوص الجديدة لا تلغي النصوص القديمة، وإنما يعتبر النص الجديد هو الأصل العام في حين يكون النص القديم بمثابة الاستثناء الذي يرد على الأصل فيحد من عموميته ويضيق من نطاقه؛ من أمثلة ذلك أن قانون الشهر العقاري لستة ١٩٤٦ تضمن حكماً خاصا مؤداه عدم انتقال ملكية العقارات إلا بالتسجيل، ثم صدر القانون المدني الحالي لسنة ١٩٤٨ متضمناً نصاً عاماً مؤداه انتقال الملكية، سواء وردت على عقار أو منقول، بمجرد التعاقد؛ وفي هذه الحالة، يكون الحكم الوارد في قانون الشهر العقاري حكما خاصا لا يلغيه الحكم العام الوارد في القانون المدني، بل يظل الحكم الخاص بمثابة الاستثناء الوارد على الأصل.
2. إعادة التنظيم التشريعي لموضوع معين سبق تنظيمه
قد يستخلص الإلغاء الضمني من صدور تشريع ينظم من جديد موضوعا سبق أن نظمه تشريع سابق، وفي هذه الحالة يمكن القول أن التشريع الجديد قد ألغى القواعد التي تضمنها التشريع القديم، حتى تلك القواعد التي لا تتعارض مع التشريع الجديد في الحكم؛ ويؤكد على ذلك، ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني، حيث أشارت إلى أن من بين صور الإلغاء الضمني: ” أن يصدر تشريع جديد ينظم تنظيما كاملاً وضعاً من الأوضاع أفرد له تشريع سابق. وفي هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخاً جملة وتفصيلاً ولو انتفى التعارض بين بعض نصوص هذا التشريع ونصوص التشريع الذي تلاه ” .
ويلاحظ جانب من الفقه على هذه الصورة من صور الإلغاء الضمني، أن المادة الثانية من القانون المدني، المشار إليها سابقاً، وإن اهتمت بالإشارة إليها، إلا أن الواقع العملي يؤكد أن المشرع لا يفوته في الغالب أن ينص في التشريع اللاحق الذي يعيد به تنظيم نفس الموضوع، على إلغاء التشريع السابق الذي كان ينظمه.
مقالة ذات صلة: تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان – مبدأ إقليمية القانون الجنائي
تنازع القوانين في الزمان
عندما تلغى قاعدة قانونية معينة وتحل محلها قاعدة جديدة، فان هذه القاعدة الأخيرة تطبق من يوم نفاذها، في حين ينتهي العمل بالقاعدة القديمة من يوم إلغائها؛ بيد أن الأمور لا تسير بهذا الحد من البساطة، خصوصاً بالنسبة للأوضاع أو المراكز القانونية التي تستغرق في نشأتها أو في ترتيب آثارها وقتا طويلا قد يمتد إلى الفترة ما بين إلغاء قانون معين وصدور قانون آخر يجل محله، إذ هنا يثور التساؤل عن القانون الواجب التطبيق لحكم هذه الأوضاع القانونية: هل يطبق القانون القديم الذي نشأت في ظله أم القانون الجديد الذي لم تكتمل آثارها إلا بعد نفاذه ؟
الحقيقة أن مشكلة تنازع القوانين في الزمان لا تثور إذا كانت الأوضاع أو المراكز القانونية قد نشأت واستقرت ورتبت آثارها كاملة قبل صدور القانون الجديد، إذ ستظل هذا الأوضاع خاضعة للقانون القديم ولن تتأثر بالقانون الجديد؛ فعلى سبيل المثال، إذا أبرم عقد بيع ونفذت آثاره في ظل قانون معين، بأن قام البائع بنقل ملكية المبيع في حين أوفى المشتري بالثمن، ثم صدر قانون جديد يعدل من شروط البيع وطريقة الوفاء، ففي هذا المثال لا يكون للقانون الجديد أي أثر على هذا العقد الذي نشأ واستقر ورتب جميع أثاره قبل صدوره، كذلك إذا ارتكب شخص جريمة معينة وعوقب عليها ونفذت العقوبة بالفعل، ثم صدر قانون جديد يشدد من عقوبة هذه الجريمة فلا يعقل في مثل هذه الحالة أن نطالب هذا الشخص بالعودة إلى تنفيذ ما تبقى من العقوبة نتيجة التشديد، إذ لا يؤثر صدور القانون الجديد على مثل هذا الشخص .
وهكذا فان مشكلة تنازع القوانين في الزمان تنحصر في تحديد القانون الواجب التطبيق بالنسبة للمراكز أو الأوضاع القانونية التي تستغرق في نشأتها أو في ترتيب آثارها وقتا طويلا يمتد للفترة ما بين قانونين أحدهما قديم والآخر جديد؛ ولعلنا نوضح ذلك من خلال الأمثلة التالية :
- إذا تزوج شخص في ظل قانون لا يعطي للزوجة المطلقة الحق في الاستمرار في سكنى منزل الزوجية أثناء فترة حضانتها لاطفالها من زوجها الذي طلقها، ثم صدر قانون جديد أثناء الزواج يقرر هذا الحق للمطلقة، فهل سيطبق القانون القديم، وبالتالي تحرم المطلقة من الإقامة في منزل الزوجية خلال فترة حضانتها لأطفالها، أم أن القانون الجديد سيطبق عليها، وبالتالي ستفيد من الحق في الإقامة؟
- إذا كان قانون دولة معينة يجعل سن الرشد ١٨ سنة ميلادية، ثم صدر قانون جديد بنفس الدولة يرفع سن الرشد إلى 21 سنة ميلادية، هنا يثور التساؤل حول مركز الأشخاص الذي بلغوا سن الرشد في القانون القديم ولم يبلغوا 21 سنة وقت نفاذ القانون الجديد، فما حكم التصرفات التي أبرموها في ظل القانون الجديد؟.
- إذا كان الحد الأدنى للمدة اللازمة للترقية من درجة وظيفية إلى أخرى، وفقا لقانون العاملين المدنيين بالدولة، هي ثلاث سنوات، ثم صدر قانون جديد يرفع هذه المدة إلى أربع سنوات، فهل تخضع ترقية الموظفين قبل هذا القانون الجديد لشرط المدة الجديدة أم تظل ترقيتهم خاضعة للقانون السابق؟.
- إذا وضع شخص يده على عقار لمدة 12 سنة بنية تملكه في ظل قانون قديم يجعل مدة التملك بالتقادم 15 سنة، ثم صدر قانون جديد يطيل هذه المدة ويرتفع بها إلى ٢٠ سنة، فهل يبقى هذا الشخص خاضعاً للقانون القديم بحيث يتملك العقار بعد ثالث سنوات، أم يطبق عليه القانون الجديد ومن ثم لا يتملك العقار إلا بعد مرور ثماني سنوات ؟.
- إذا أبرم عقد قرض مبلغ معين بفائدة قدرها 9 % في ظل قانون يجيز ذلك، ثم صدر قانون جديد يجعل الحد الأقصى لسعر الفائدة هو ٧% ، فهل يظل عقد القرض خاضعا للقانون القديم وبالتالي يلتزم المقترض بفائدة قدرها ٩%، أم أن القانون الجديد يطبق على هذا العقد ومن ثم لا يلتزم المقترض سوى بقائدة قدرها 7%؟.
وكما هو واضح، فقي مثل هذه الفروض تثور مشكلة تنازع القوانين في الزمان، وقد يتدخل المشرع في بعض الأحيان لحلها وذلك عندما يصدر القانون الجديد ويحدد نطاق تطبيقه، لكن في الوضع الغالب لا يتعرض المشرع لهذا الأمر استنادا إلى المبدأ العام الذي يسيطر على مشكلة تنازع القوانين، ألا وهو مبدأ “عدم رجعية القوانين”؛ وهكذا تقتضي دراستنا أن نعرض أولا لمبدأ عدم رجعية القوانين، ثم ننتقل بعد ذلك إلى بحث النظريات الفقهية التي تعرضت لهذه المشكلة، وأخيراً نختتم بالتعرف على الحلول التشريعية لبعض صور التنازع في القانون المصري.
مقالة ذات صلة: تطبيق القانون من حيث المكان – مبدأ إقليمية وشخصية القانون
مبدأ رجعية القوانين
المقصود بمبدأ رجعية القوانين
يقصد بمبدأ عدم رجعية القوانين أن القانون لا يطبق إلا على الوقائع التي تمت بعد صدوره، أما الوقائع التي تمت قبل تاريخ العمل به، فلا يسري عليها أحكامه، بل تبقى خاضعة للقانون الذي نشأت في ظله؛ ويعبر الفقه عن هذا المعنى بالقول بأن القانون ليس له أثر رجعي.
مبررات مبدأ رجعية القوانين
يعتبر هذا المبدأ أساساً يقوم عليه حل مشكلة تنازع القوانين في الزمان، وهو يستند على عدة اعتبارات هامة من المنطق والعدالة والمصلحة العامة، فالمنطق يرفض سريان القانون على الوقائع التي حدثت في الماضي قبل تاريخ العمل به، وإنما يجب أن يقتصر تطبيقه على المستقبل فحسب، إذ ليس من المعقول أن نحاسب الأفراد وفقا لقانون لم يكن قائماً وقت إتببانهم للسلوك الذي نحاسبهم عليه.
كذلك فان العدالة تأبى أن يطبق القانون على أفعال وتصرفات سابقة على نفاذه، فعلى سبيل المثال ليس من العدل في شئ أن يعاقب الأفراد على أفعال ارتكبوها في وقت كانت فيه هذه الأفعال مباحة، لأننا بذلك نلزمهم بما لم يكن معلوما لهم
وأخيرا، فان المصلحة العامة تقضي بعدم سريان القانون على الماضي، تحقيقا لاستقرار المعاملات وتعميق الثقة بين الأفراد، فالأفراد يرتبون أمورهم ويبرمون عقودهم على أساس القانون النافذ فعلا وقت التعامل، ومن حقهم أن يثقوا في أن هذا القانون هو الذي سيحكم المعاملات التي أجروها في ظله.
مقالة ذات صلة: تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان – الأثر الفوري والرجعي لنص التجريم
مبدأ عدم رجعية القوانين في مصر
وكنتيجة طبيعية للمبررات والاعتبارات المتقدمة، حرصت دول العالم الحديثة – ومن بينها مصر- على تطبيق مبدأ رجعية القوانين، بل وأكدت على ذلك في دساتيرها وقوانينها المختلفة؛ ففي مصر، ونظراً لأهمية هذا المبدأ، نص الدستور المصري على عدم رجعية القوانين، مؤكدا على أنه لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القوانين على خلاف ذلك بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب.
والمستفاد من هذا النص الدستوري أن القاضي عند تطبيقه للقانون يتعين عليه أن يتقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين، فلا يملك أن يسحب التشريع الجديد ليطبقه على وقائع تمت قبل صدوره؛ ويسري هذا الحكم على مختلف أنواع التشريعات، لا فرق في ذلك بين التشريعات العادية (القوانين) التي تصدرها السلطة التشريعية أو التشريعات الفرعية (اللوائح) التي تصدر عن السلطة التنفيذية.
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات،شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.