يسأل الكثير من الأصدقاء هل مصر تطبق الشريعة الإسلامية؟، وما هو دور المادة الثانية من الدستور، وما هي العلاقة بين القانون المصري والشريعة الإسلامية؛ وفي هذه المقالة نقوم بتوضيح كل ذلك وأكثر، ففي البداية قمنا بتعريف القانون، ثم قمنا بإلقاء نظرة سريعة على مصادر القانون، ثم قمنا بتوضيح المقصود بأن الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون المصري، ووضحنا أثر الدين في القانون المصري، ووضحنا المقصود بمسائل الأحوال الشخصية ودور الدين فيها.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
خصائص القاعدة القانونية
ويمكننا أن نخلص من التعريف السابق للقانون بأن القاعدة القانونية تتميز بخصائص ثلاث:-
- قاعدة عامة ومجردة
- قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.
- قاعدة مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف.
مقالة ذات صلة: شرح خصائص القاعدة القانونية
مصادر القانون
المصادر الأصلية للقانون
- التشريع.
- مبادئ الشريعة الإسلامية . بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية فقط. (موضوع مقالة اليوم)
المصادر الاحتياطية للقانون
مقالة ذات صلة: مصادر القانون – المصادر المادية والتاريخية والرسمية للقانون
الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون المصري
تعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا رسمياً احتياطياً يلتزم القاضي بالرجوع إليها في حالة عدم وجود نص في التشريع أو العرف يحكم النزاع المطروح أمامه، فوفقاً للمادة الأولى من القانون المدني: ” إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية”؛ والملاحظ على هذا النص أن الشريعة الإسلامية أصبحت من المصادر الرسمية الاحتياطية التي تأتي في المرتبة الثالثة بعد التشريع والعرف وتسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
ولم يكن الأمر كذلك قبل صدور التقنين المدني الحالي، إذ كان المشروع التمهيدي لهذا التقنين يقنع بتسوية مبادئ الشريعة الإسلامية بكتابات الفقه وأحكام القضاء التي يرجع إليها القاضي على سبيل الاستئناس لا الإلزام، فبعد أن حددت المادة الأولى من المشروع التمهيدي مصادر القانون، أضافت في فقرتها الثالثة أن القاضي: “يستلهم في ذلك الأحكام التي أقرها القضاء والفقه، مصرياً كان أو أجنبياً، وكذلك يستلهم مبادئ الشريعة الاسلامية”.
مقالة ذات صلة: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون المصري و دور القاضي في استخلاص مبادئ الشريعة الإسلامية
نظرة فقهاء القانون لمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي
وعلى الرغم مما نص عليه المشرع من اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية مصدراً رسمياً احتياطياً من مصادر القانون في مصر، إلا أن الفقه يجمع على أن أهمية هذا النص تبدو محدودة للغاية؛ ولعل السبب في ذلك يرجع إلى انتشار التشريع في العصر الحديث، حيث لا تتوانى السلطة التشريعية عن التدخل بين الحين والآخر لسن التشريعات التي تواجه بها كل ما يستجد في علاقات الأفراد، أضف إلى ذلك أنه حتى في الحالات النادرة التي لا يوجد نص تشريعي يحكمها، سنجد أن العرف يقف من وراء التشريع لمواجهة مثل هذه الحالات.
وهنا نتساءل مع الفقه : إذا كان اللجوء إلى العرف قليلا -كما رأينا- فما بالنا بمبادئ الشريعة الإسلامية التي تجئ في مرتبة تالية على العرف؟، ولكن برغم ما تقدم يجب ألا تفوتنا الإشارة إلى ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور المصري الحالي لعام 1971، بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980 م، حيث نصت على أن : “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”؛ وبموجب هذا التعديل الدستوري، لا يجوز أن يصدر في مصر أي تشريع يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وإذا حدث ذلك أمكن الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا على التشريع المخالف بعدم الدستورية، ومن ثم إلغاء العمل به.
أثر الدين في القانون المصري
يعتبر عهد محمد علي نقطة تحول حقيقية في تأثير الدين على القانون المصري، فقد كان للدين الإسلامي مكانة عظيمة في مصر منذ الفتح الإسلامي لها وحتى حكم الأتراك؛ ولكن منذ عهد محمد على بدأ القانون الفرنسي يدخل مصر، وبدأ تأثير الشريعة الإسلامية يقل تدريجياً كلما تغلغلت قاعدة من قواعد القانون الفرنسي. وعندما تولى الخديوي إسماعيل الحكم زاد الطابع الأجنبي على القوانين المصرية خصوصاً مع وضع التقنينات المختلطة والأهلية التي استمدت بالكامل من القوانين الفرنسية، وبذلك انحسر نطاق الشريعة الإسلامية عن حكم المعاملات المالية والمسائل الجنائية، واقتصرت على حكم مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين، أما غير المسلمين فقد ظلوا خاضعين في أحوالهم الشخصية لأحكام دياناتهم.
وهكذا، بقي الدين مصدرا رسمياً للقانون المصري، يلي التشريع في الترتيب ويسبق العرف؛ وهو في واقع الأمر مصدرا خاصاً لأنه يرجع إليه فقط في مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بالمصريين. والمقصود بالدين هنا ليس هو الشريعة الإسلامية فقط، وإنما قوانين الأديان الأخرى أيضاُ؛ فالمسلمون يخضعون في أحوالهم الشخصية للشريعة الإسلامية، وغير المسلمين يخضعون في أحوالهم الشخصية للقانون المنظم للدين أو الملة التي ينتمون إليها.
مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين
وللعلم يلاحظ أنه بالنسبة لغير المسلمين من المصريين، يلزم لتطبيق أحكام دينهم، فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية، أن يتفق طرفا النزاع في الدين والملة، فإن اختلفوا طبقت عليهم أحكام الشريعة الإسلامية؛ ومعنى ذلك أن الشريعة الإسلامية تطبق على المصريين المسلمين وغير المسلمين المختلفى الطائفة والملة، في حين تطبق الشريعة الطائفية (المسيحية أو اليهودية)على غير المسلمين المتحدى الطائفة والملة.
والعبرة في اتحاد الدين والملة هو بوقت رفع الدعوى، فإذا توافر شرط الاتحاد وقت رفع الدعوى طبقت شريعة غير المسلمين عليهم حتى لو تخلف هذا الشرط بعد ذلك نتيجة تغيير أحد الخصوم دينه أو ملته، ولا يستثنى من ذلك سوى حالة تغيير أحد الخصوم ديانته إلى الإسلام بعد رفع الدعوى، ففي هذه الحالة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية دون غيرها من الشرائع. انظر في هذا الصدد: حكم محكمة النقض المصرية في 26 من نوفمبر سنة 1988، مجموعة المكتب الفني، س 36 ق، رقم 213 ، ص 1032، وكذلك انظر: حكم محكمة النقض المصرية في 17 من يناير سنة 1979 ، مجموعة المكتب الفني، س 30 ق، رقم 60، ص 276.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان حكم الدين المسيحي أو اليهودي مخالفاً للنظام العام في مصر، فإنه لا يطبق حتى لو اتحد طرفا النزاع في الديانة والمذهب والطائفة، وإنما تطبق أحكام الشريعة الإسلامية. أنظر في هذا الصدد: حكم محكمة النقض المصرية في 6 من فبراير سنة 1980، مجموعة المكتب الفني، س 31 ق، رقم 85، ص 439.
مقالة ذات صلة: النظام العام والآداب – تعريفها ودورها وأمثلة عليها
مفهوم الأحوال الشخصية في القانون المصري
وقد وقع خلاف فقهي وقضائي محدود بشأن تحديد مفهوم الأحوال الشخصية في القانون المصري، إلى أن تصدى المشرع لبيان ما يعتبر من مسائل الأحوال الشخصية، فنص صراحة في المواد 13 و14 من قانون نظام القضاء رقم 47 لسنة 1949 على هذه المسائل. فمسائل الأحوال الشخصية تشتمل على ما يلي:
- المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم.
- المسائل المتعلقة بالولاية والوصاية والقوامة والحجر والإذن بالإدارة والغيبة واعتبار المفقود ميتا.
- المسائل المتعلقة بالميراث والوصايا وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت.
- المسائل المتعلقة بنظام الأسرة، كالخطبة والزواج وحقوق وواجبات الزوجين، والمهر ونظام الأموال بين الزوجين، والطلاق والتطليق والتفريق والخلع، كذلك المسائل المتعلقة بالبنوة والنسب والتبني ونفقة الأقارب والأصهار.
- المسائل المتعلقة بالهبة بالنسبة لغير المصريين، إذا كان قانونهم يعتبرها كذلك.
والحقيقة أن نطاق الأحوال الشخصية قد ضاق كثيرأ عن التعداد الذي أورده المشرع في المادتين 13 و14 من قانون نظام القضاء، وذلك لصدوره عن عدة قوانين خاصة تناولت الكثير من هذه المسائل بالتنظيم، فخرجت بذلك من ولاية الدين وأصبح مصدرها الرسمي هو التشريع، الذي يخضع له كافة المصريين أيا كانت دياناتهم، مسلمين أو غير مسلمين، ومن أمثلة هذه القوانين:
- القانون رقم 25 لسنة 1929 الذي نظم بعض الأحكام المتعلقة بالطلاق والشقاق بين الزوجين والتطليق للضرر، أو لغيبة الزوج أو حبسه، ودعوى النسب والنفقة والعدة، والمهر، وسن الحضانة، والمعقود. وقد عدلت أحكام هذا القانون، كما أضيعت إليه أحكام جديدة بمقتضى قانون الأحوال الشخصية رقم 100 لسنة 1985 ، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الجديد رقم 1 لسنة 2000م.
- قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 ، وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ، وقانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 (المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 1952 الخاص بإلغاء الوقف على غير الخيرات).
- قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 ، وقد أدخل عليه العديد من التعديلات بموجب قانون الأحوال الشخصية الجديد رقم 1 لسنة 2010 م.
وقد كان مقتضى ما تقدم أن يعتبر الدين مصدراً احتياطياً لا اصلياً بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية بصفة عامة، إلا أن الرأي الراجح في الفقه يميل إلى النظر إلى قواعد الدين على أنها مصدر أصلي لا احتياطي، وإن كان مصدراً أصلياً خاصاً بروابط الأحوال الشخصية التي لم يتناولها المشرع بالتنظيم.
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.
الحقيقة ان قواعد الشريعة الاسلامية بحكم الدستور المصرى هى المصدر الرئيسي للتشريع وهذا النص الدستورى لايؤخذ على إطلاقه حيث انه بالرجوع لنص المادة 1 من القانون المدنى لوجدنا ان العرف ياتى فى مرحلة تالية بعد التشريع كمصدر يحتكم اليه القاضى عند الفصل فى اى نزاع ويسبق قواعد واحكام الشريعة الاسلامية ان الشريعة الاسلامية كمصدر يحتكم اليه القاضى لتطبيق حكم القانون على نزاع ما تاتى فى مرتبة ثالثة بعد التشريع والعرف مما يعنى انها كمصدر رئيسي للتشريع كونها مادة إستنباط احكام يستند اليها المشرع فى مرحلة سن القوانين وليس ادا قانونية تطبق مباشرة على ارض الواقع