في هذه المقالة نوضح في البداية تعريف القانون، ثم نوضح تعريف القانون الجنائي وتعريف قانون العقوبات، ثم نوضح أهداف القانون الجنائي، وخصائص القانون الجنائي، ثم نوضح علاقة القانون الجنائي بفروع القانون الأخرى مثل القانون المدني والقانون الدستوي والقانون التجاري والقانون الإداري، ثم نوضح مصدر القانون الجنائي، ونختم المقالة بتوضيح النظاق الزمني والمكاني للنص الجنائي.
تعريف القانون
درج الفقهاء على تعريف القانون بأنه: “مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وتقترن بجزاء مادي يكفل احترامها”؛ والقانون وفقا لهذا التعريف هو القانون بمعناه العام، وهذا المعنى هو المستفاد من لفظ القانون عند إطلاقه.
غير أن اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة، فيقال مثلاً قانون المحاماة أو قانون تنظيم الجامعات؛ وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق، حيث يقصد به التشريع فقط، وللعلم التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادر القانون.
مقالة ذات صلة: القانون: تعريفه، خصائصه، أهميته، أقسامه، مصادره، أقسامه
خصائص القاعدة القانونية
ويمكننا أن نخلص من التعريف السابق للقانون بأن القاعدة القانونية تتميز بخصائص ثلاث:-
- قاعدة عامة ومجردة
- قاعدة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع.
- قاعدة مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف.
مقالة ذات صلة: خصائص القاعدة القانونية – شرح بالتفصيل والأمثلة
تعريف القانون الجنائي
القانون الجنائي هو مجموعة القواعد التي تسنها الدولة لتنظيم حقها فى العقاب، ويشتمل القانون الجنائى على القواعد التي تحدد الجرائم والعقوبات، بالإضافة الى القواعد التي تبين الإجراءات الكفيلة باكتشاف الجرائم ومحاكمة مرتكبيها وتنفيذ العقوبة فيهم، ويتضح من هذا التعريف أن القانون الجنائى يحتوى على طائفتين من القواعد :
- الأولى : طائفة القواعد التى تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لكل جريمة منها، ويطلق على هذه القواعد تعبير القانون الجنائي الموضوعي أو قانون العقوبات، وفى بعض الدول العربية، يطلق عليها القانون الجزائي.
- الثانية : طائفة القواعد التي تحدد اجراءات اكتشاف الجرائم وكيفيه المحاكمة، وتنفيذ العقوبات المحكوم بها، ويطلق على هذه القواعد تعبير القانون الجنائي الإجرائي أو قانون الإجراءات الجنائية، أو قانون أصول المحاكمات الجزائية فى بعض الدول العربية.
والصلة وثيقة بين شقتى القانون الجنائى، فطائفة القواعد الإجرائية تحدد الإجراءات الواجب اتباعها لتطبيق القواعد الموضوعية، لذلك يكمل كل شق منهما الشق الآخر، ولا يسوغ وجود أحدهما دون الآخر؛ فقواعد قانون العقوبات التي تحدد الجرائم وعقوباتها، لا يمكن أن تنطبق بغير إجراءات محددة، تبين سبل اكتشاف الجريمة وكيفية التحقيق لاكتشاف مرتكبها ومحاكمته وتنفيذ العقوبة المحكوم بها فيه.
ويتضح مما تقدم أن قانون العقوبات فرع من القانون الجنائي، أو هو القانون الجنائى فى شقه الموضوعي، ومع ذلك يطلق كثير من الفقهاء تعبير القانون الجنائى، على قانون العقوبات، ويقررون أن تسمية قانون العقوبات بالقانون الجنائى تسمية أكثر دلالة على مضمون هذا الفرع من فروع القانون، ويرى بعض الفقهاء أن التعبيرين مترادفان، ونعرض لهذه الآراء بعد أن نحدد مضمون قانون العقوبات .
تعريف قانون العقوبات
قانون العقوبات هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الأفعال المعتبرة جرائم وما يترتب على اقترافها من جزاءات، ومن هذا التعريف يتضح أن قانون العقوبات يتضمن القواعد التى تبين صور السلوك المجرم ، بالاضافة الى القواعد التى تحدد الجزاءات التى يستحقها من يأتى إحدى هذه الصور؛ وكل قاعدة من قواعد قانون العقوبات تنطوى على شقين:الشق الأول وهو شق التجريم، ويتضمن بيان السلوك الذى يضفى عليه المشرع الجنائى الصفة غير المشروعة، وهذا السلوك قد يكون ايجابياً أو سلبيا، والشق الثاني وهو شق الجزاء الذى يحدد الأثر المترتب على إتيان السلوك المنهى عنه أو ترك السلوك المأمور به، والجزاء قد يكون عقوبة أو تدبيرم احترازياً؛ وشقا التجريم والعقاب فى قاعدة قانون العقوبات يكمل أحدهما الآخر، ويوجد بينهما تلازم منطقى، فلا جريمة بدون عقوبة، ولا تطبق عقوبة إلا إذا ارتكبت جريمة .
وينتقد البعض تسمية هذا الفرع من القانون بقانون العقوبات، بدعوى أن هذه التسمية تقصر عن الاحاطة بكل مضمونه. فمن ناحية، توحى التسمية بأن هذا القانون لا يتضمن سوى العقوبات دون الجرائم ، بينما هو يتضمن الجرائم والعقوبات معاً؛ ومن ناحية أخرى، لم تعد العقوبات هى الجزاء الوحيد للجريمة، وإنما يوجد الى جانبها التدابير الاحترازية، التى لا تقل أهميتها فى التشريعات الحديثة عن أهمية العقوبات بمعناها التقليدى. ولذلك يرى بعض الفقهاء استبدال تعبير القانون الجنائى بتعبير قانون العقوبات.
لكن الانتقادات السابقة غير حاسمة، ذلك أن القول بقصور تسمية قانون العقوبات عن الاحاطة بالجرائم، يغفل التلازم المنطقى الذى أشرنا اليه بين فكرتى العقوبة والجريمة، فلا عقوبة بغيرجريمة ؛ أما القول بأن هذه التسمية تغفل التدابير الاحترازية، فمردود عليه بأن العقوبة ما زالت هى الصورة الرئيسية لرد الفعل الاجتماعى إزاء الجريمة، وأن التدابير الاحترازية لها مكان محدود فى غالبية التشريعات الجنائية إذا ما قورنت بالعقوبات، كما أن الجهود الحديثة فى هذا المجال تركز على تطوير أشكال العقوبة وأساليب تنفيذ العقاب أكثر من تركيزها على هجر العقوبات لصالح التدابير الاحترازية؛ ويضاق الى ذلك أن استعمال العقوبات فى التسمية هو من قبيل التعبير عن الكل بأهم جزء منه، فإذا كانت الغلبة مازالت للعقوبات، فمن السائغ لغة أن يسمى يها هذا الفرع من فروع القانون.
أما تعبير القانون الجنائى، فلا نرى ملاءمة تسمية قانون العقوبات به؛ ذلك أن هذا التعبير له مدلول واسع كما رأينا، يشمل قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم لا يسوغ أن نقصر هذا التعبير على أحد القانونين دون الآخر، لعدم وجود ما يدعو الى ذلك ؛ وهذا فضلاً عن أن تعبير القانون الجنائى يقصر بدوره عن الاحاطة بكل مضمون قانون العقوبات، إذ يمكن القول عنه أنه يقتصر على الجرائم دون العقوبات، وعلى نوع واحد من الجرائم هو الجنايات دون الجنح والمخالفات.
وفى بعض الدول العربية يطلق على قانون العقوبات تعبير ” قانون الجزاء”، لكن هذه التسمية غير دقيقة لأنها لا تشير الى ذاتية الجزاء الذى يميز هذا القانون عن غيره من فروع القانون، وكونه جزاء جنائيا، فالجزاء قد يكون مدنيا أوادارياً او دستورياً … الخ؛ ويضاف الى ذلك أن لفظ الجزاء لغة يفيد الثواب والعقاب، فلا يقبل تخصيصه لمعنى دون آخر. ولكل ما تقدم نرى أنه من الملائم الإبقاء على تسمية قانون العقوبات باعتبارها تسمية مستقرة، اكتسبت مدلولاً محدداً، لذلك فرغم كل الانتقادات التى وجهت الى تعبير قانون العقوبات، ورغم محاولات استحداث تسمية بديلة، لا تزال غالبية التشريعات قديمها وحديثها تحتفظ بهذه التسمية، كما أن غالبية الفقهاء تتخذ من هذه التسمية عنوان للمؤلفات التى تخصص لدراسة هذا الفرع من فروع القانون ، سواء في قسمه العام او في القسم الخاص منه.
مقالة ذات صلة: الجزاء القانوني: تعريفه، خصائصه، تطوره، انواعه
مقالة ذات صلة: أنواع الجزاء – الفرق بين الجزاء الجنائي والمدني والإداري
أقسام قانون العقوبات
ينقسم قانون العقوبات الى قسمين : قسم عام وقسم خاص، ويضم القسم العام المبادئ والأحكام العامة التي تخضع لها الجرائم والجزاءات على اختلاف أنواعها، أما القسم الخاص فيتضمن القواعد تى تحدد الأركان الخاصة بكل جريمة على حدة والجزاءات المقررة لها.
والعلاقة وثيقة بين قسمى قانون العقوبات، ذلك أن القسم العام يعد بمثابة تمهيد للصياغة الفنية لنصوص القسم الخاص، لذلك يتضمن القسم العام المبادئ العامة الأساسية، تفادياً لتكرارها عند تناول مفردات الجرائم، ومن ثم يقتصر القسم الخاص على تحديد الأركان الخاصة بكل جريمة وعقوبتها دون حاجة الى إعادة النص بخصوص كل منها على قواعد عامة تسرى عليها كما تسرى على غيرها؛ والقسم العام له أهميته كذلك من حيث الدراسة العلمية، فدراسة القسم العام ترسى المبادئ الأساسية حتى تكون ماثلة فى الأذهان عند تناول مفردات الجرائم فى القسم الخاص، وعلى هذا النحو لا نكون بحاجة إلى تكرار المبادئ العامة عند دراسة جرائم القسم الخاص.
وقد أخذ القانون المصرى بهذا التقسيم، شأنه فى ذلك شأن التشريعات الحديثة، لذلك نجده قد خصص الكتاب الأول من قانون العقوبات للأحكام العامة التي يتكون منها القسم العام، وجعل عنوانه “أحكام ابتدائية” أما الكتب الثلاثة الأخرى فقد تضمنت مفردات الجرائم والعقوبات، وهي التي تكون موضوع الدراسة فى القسم الخاص من قانون العقوبات
أهداف القانون الجنائي
1. تحقيق العدالة
تعزز شعور الأفراد بالعدالة وتعزز شعور الرضا لدي المواطنين، حيث ان العقوبة التي وقعت علي الجاني تساوي المكاسب التي حقهها الجاني، وعند توقيع العقوبة لن يكون هناك حقد بين المجني عليه والجاني.
2. تحقيق الأمن في المجتمع
عندما يعلم كل فرد فى المجتمع ان هناك قوانين رادعة ستطبق علي الجميع بدون تمييز عند مخالفة القوانين، سوف يتحقق الأمن والأمان فى المجتمع.
3. حماية الفرد والأسرة والمجتمع
القانون الجنائي يحمي الفرد عن طريق تجريم اي فعل يهدد حق الفرد فى الحياة مثل القتل ويحمي الفرد ضد السرقة والابتزاز ويحمي القانون الجنائي المجتمع عن طريق سن القوانين التي تحمي الأسرة مثل قوانين للحماية من أضرار المخدرات ويحمي القانون الجنائي الدولة عن طريق سن القوانين التي تعمل علي حماية الدستور وحماية الدولة ضد التجسس,
خصائص القانون الجنائي
1. التحديد الدقيق
فالقانون الجنائي محدد على عكس القانون المدني الذي يتسم بصفة عمومية، ويراعي المشرع فيه الدقة والوضوح ولا يحتمل تفسيرات واجتهادات، ولو كان هناك شك دائما نرجع للقاعدة المشهورة “الشك دائماً فى صالح المتهم”.
مقالة ذات صلة: تفسير القانون وأنواعه وتفسير النصوص الجنائية وقواعده
2. المساواة
ان القانون الجنائي يجب ان يحمل صفة المساواة أي وجوب تطبيقة على كافة المخالفين له من دون اعتبار لشخصية مرتكب المخالفة الجنائية أو مركزه الاجتماعي.
3. عدم جواز القياس عليه
بالنسبة للدول التي تعتبر النظام الفرنسي يجب ان تكون جميع القواعد مكتوبة وواضحة، فعند عدم تضمن القانون لنص صريح يجرم فعل معين فلا يجوز الرجوع لسوابق قانونية لتجريم الفعل أو الامتناع عن الفعل وهذا للحفاظ على مبدأ الشرعية والاستقرار القانوني وتأكيد سيادة القانون ( طريقة القياس في الحكم والإعتماد علي السوابق القانونية يتم تطبيقها فى بريطانيا).
4. العقوبة الجنائية
من بين خصائص القانون الجنائي أنه يضع في نصوصه عقوبات جزائية يتم فرضها على كل مخالف لنصوصه، وهذه العقوبات تعتبر تهديد لأي فرد يحاول مخالفة القانون، وبالتالي يكون هذا التهديد كإجراء وقائي.
علاقة القانون الجنائي بفروع القانون الأخرى
للقانون الجنائي صلة وثيقة بجميع فروع القانون الأخرى، وهي تظهر كلما دعت الحاجة الى تدعيم قواعدها بالجزاء لحمايتها.
علاقة القانون الجنائي بالقانون المدني
القانون الجنائي يتصل بالقانون المدني حيث يحمي حق الملكية بعقابه على السرقة والنصب وخيانة الامانة والحريق والإتلاف؛ فالقانون الجنائي يتصل بقوانين الأحوال الشخصية، حيث يحمي حقوق الزوجية بعقابه على الزنا وهجر العائلة ويحمي حق الحضانة بعقابه من يمتنع عن تسليم طفل إلى من له حق حضانته.
مقالة ذات صلة: الحق: تعريفه، أنواعه، أركانه، مصادره، أشخاصه، محله
علاقة القانون الجنائي بالقانون الدستوري
تظهر العلاقة بين القانون الجنائي والقانون الدستوري في أن القانون الجنائي يعمل على حماية الدستور ونظام الحكم في الدولة ويعاقب على محاولة المساس بأمن الدولة، كما أن القانون الدستوري يحدد المبادئ التي يبنى على أساسها القانون الجنائي مثل اعتبار المتهم بريء حتى تثبت إدانته من جهة قضائية.
مقالة ذات صلة: الدستور: تعريفه، أهميته، خصائصه، انواعه، طرق وضعه وتعديله مع الأمثلة
علاقة القانون الجنائي بالقانون الإداري
القانون الجنائي يتصل بالقانون الإداري حيث يجرم الرشوة أو اختلاس الاموال العامة واستغلال النفوذ وإساءة استعمال السلطة؛ ويقوم بحماية السلطة العامة من الاعتداء عليها، اذ يقوم بتجريم الاعتداء على الموظف أثناء تأدية عمله او تحقيره، وكذلك يقوم بحماية المرفق العام، فيجرم التعرض لسلامة الطرق والمواصلات والمنشآت العامة.
علاقة القانون الجنائي بالقانون التجاري
القانون الجنائي يتصل بالقانون التجاري، حيث يحمي التعامل بالصكوك، بعقابه من يسحب صكا على مصرف بدون رصيد.
مقالة ذات صلة: القانون التجاري: تعريفه، موضوعاته، فروعه
علاقة القانون الجنائي بالقانون الدولي العام
القانون الجنائي يتصل بالقانون الدولي العام في تنظيم التضامن بين الدول لمكافحة الاجرام وتعقيب المجرمين عن طريق تحديد سلطان قانون العقوبات بالنسبة للجرائم والمجرمين في أراضي الدولة وخارجها، وتنظيم مسالة تسليم المجرمين.
علاقة القانون الجنائي بقواعد الأخلاق
القانون الجنائي يتصل بقواعد الأخلاق، في أن كلا منهم يهدف الى إسعاد الفرد والجماعة عن طريق فرض أوامر او نواه يلتزم بها الناس في سلوكهم وتصرفاتهم، ومظهر الارتباط بين الاثنين هو ان كثيرا من الالتزامات التي يرتبها أحدها لبلوغ الغاية المتقدمة نجدها في الآخر؛ فالجرائم الهامة التي يعاقب عليها قانون العقوبات هي في ذات الوقت تتطابق مع ما تقتضيه قواعد الأخلاق، كالقتل والجرح وهتك العرض والسرقة والنصب والخيانة والتجسس وغيرها، ومع ذلك فإنه لا سبيل الى تحقيق التطابق التام بين كافة الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والمخالفات الأخلاقية.
فقوانين العقوبات تضم كثيرا من الجرائم التي لا صلة لها بمبادئ الأخلاق، فمثلاً كثيرا من التصرفات التي تحرمها قواعد الأخلاق لا يعاقب عليها قانون العقوبات، فالكذب والنفاق والنميمة والمبالغة تحرمها قواعد الأخلاق ولكن لا يعاقب عليها قانون العقوبات، مع ان مخالفة قاعدة السير في الطريق او عدم إضاءة مصابيح السيارة عند السير ليلا يعاقب عليه قانون العقوبات بالرغم من انه بعيد الصلة بقواعد الأخلاق.
مقالة ذات صلة: قواعد الأخلاق والفرق بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق
مصدر القانون الجنائي
يختلف القانون الجنائي في مصدره عن بقية فروع القانون الأخرى، كالقانون المدني والقانون التجاري، ذلك لأنه خاضع بل ومحكوم بمبدأ أساسي لا وجود له في تلك الفروع وبالتالي فلا تخضع له، وهو مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، أو كما يسميه البعض “مبدأ نصية الجرائم والعقوبات” اومبداً “لا جريمة ولا عقوبة من غير نص”؛ وبالتالي يعتبر التشريع فقط هو المصدر الوحيد للقانون الجنائي، ولا يتم اعتبار المصادر الاحتياطية او التفسيرية كمصدر من مصادر القانون الجنائي.
مقالة ذات صلة: مصادر القانون – المصادر الرسمية والأصلية و الاحتياطية للقانون
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
ويراد بمبداً قانونية الجرائم والعقوبات ان المشرع وحده هو الذي يملك تحديد الأفعال المعاقب عليها والمسماة “بالجرائم” وتحديد الجزاءات التي توقع على مرتكبيها والمسماه “بالعقوبات”، ومما.يترتب عليه ان ليس للقاضي ان يعتبر الفعل من قبيل الجرائم ويعاقب مرتكبه مهما كان هذا الفعل منافي اللاًداب او المصلحة العامة إذا لم يكن منصوصا عليه في قانون العقوبات، ذلك لأنه ليس للقاضي حسب هذا المبدأ ان يخلق جرائم ولا أن يبتكر عقوبات.
مقالة ذات صلة: مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات – تعريفه ونتائجه وتطوره
نطاق تطبيق النص الجنائي
وجود نص التجريم لا يكفى كى يخضع له الفعل أو الامتناع الذى يعاقب عليه النص، بل يلزم أن يكون الفعل داخلاً فى النطاق الزمنى والمكانى للنص، أى أن يكون القانون المتضمن للتجريم معمولاًبه وقت ارتكاب الجريمة، وسارياً على المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، ويلزم بعد ذلك أن يكون القانون سارياً على شخص مرتكب الجريمة.
النطاق الزمني للنص الجنائي
يبدأ النطاق الزمني للنص الجنائي منذ لحظة نفاذه، وينتهى بإلغائه فنطاق سريان النص الجنائي يتحدد بالفترة الواقعة بين لحظة نفاذه ولحظة انقضائه. مقالة ذات صلة: نفاذ التشريع العادي – إصدار التشريع و نشر التشريع
فالنص الجنائى لا يطبق إلا إذا كان نافذاً، وهو لا يكون كذلك إلا بعد انقضاء شهر من اليوم التالى لتاريخ نشره بالجريدة الرسمية، طبقا لنص المادة 225 من الدستور المصري لعام 2014، وعلى ذلك لا تكفي موافقة مجلس الشعب على القانون لنفاذه، ولا يكفي إصدار رئيس الجمهورية للقانون، كما لا يكفى نشره فى الجريدة الرسمية حتى يكون نافذ المفعول، وإنما يتعين مضي شهر من تاريخ النشر؛ وتطبيقا لذلك لا يجوز تطبيق نص التجريم على فعل ارتكب قبل نفاذه، أى قبل مضى مدة شهر تبدأ من اليوم التالى لنشره فى الجريدة الرسمية.
ويظل النص الجنائى سارى المفعول، واجب التطبيق على ما يرتكب من أفعال، الى ان ينقضى بالإلغاء الذى قد يكون صريحاً أو ضمنياً، قالالغاء الصريح يتحقق حين يصدر قانون جديد يتضمن نصاً صريحاً يقرر انتهاء العمل بالقانون السابق، فتكون لحظة نفاذ القانون الجديد هي ذاتها لحظة إلغاء القانون السابق، أما الإلغاء الضمني فيتحقق حين يتضمن القانون الجديد نصاً يتعارض حكمه مع الحكم الوارد فى النص السابق، أو حين ينظم القانون الجديد ذات الموضوع الذي كان يتناوله بالتنظيم القانون السابق.
وطبقا لقاعدة تدرج التشريعات من حيث القوة، فإن التشريع الجنائى لا يلغيه صراحة أو ضمناً إلا تشريع مساو له فى الدرجة أو أعلى منه، فالدستور يلغى القانون ضمناً إذا تضمن مبدأ يتعارض مع أحكام القانون، واللائحة يلغيها القانون، لكن لا يمكن ان تلغى القانون لكونه أعلى منها فى سلم التدرج التشريعي؛ وإذا لم يلغ النص الجنائى بنص تشريعى آخر صراحة أو ضمناً، ظل نافذ سارى المفعول، ولو نشا عرف مخالف لحكم النص، فليس من شأن العرف ان يلغى نصا جنائيا، كما أن التشريع الجنائى يظل نافذاً ولا يفقد شيئاً من قوته الالزامية مهما طال عليه الزمن دون إلغاء، ويعنى ذلك أن عدم تطبيق النص مدة طويلة من الزمن لا يعد إلغاء له، كما أن تهاون السلطات العامة فى تطبيق النص أو التغاضي عن تطبيقه لاعتبارات معينة لا يشكك فى وجوده وقوته.
وإذا حددنا النطاق الزمني للنص الجنائي بالفترة الواقعة بين لحظة نفاذه ولحظة إلغائه، كان معنى ذلك تطلب وقوع الجريمة فى هذه الفترة، حتى يسري عليها النص ويعاقب مرتكبها بمقتضاه، فإذا وقعت الجريمة خلال هذه الفتر، انطبق عليها النص، ولا يثير هذا الفرض أى صعوبة؛ ولكن الصعوبة تثور عندما ترتكب الجريمة أثناء سريان قانون يعاقب عليها، إذا ألغى هذا القانون بعد ارتكابها وقبل محاكمة مرتكبها، وحل محله قانون جديد يتضمن نصوصا تختلف عن نصوص القانون السابق، ففى هذه الحالة يثور التساؤل عن القانون الواجب التطبيق على الجريمة المرتكبة، هل هو القانون السابق السارى وقت ارتكابها والذى لم يعد له وجود، ام هو القانون الجديد الساري وقت محاكمة مرتكب الجريمة، والذي لم يكن موجوداً وقت ارتكاب الجريمة؟.
تك هى مشكلة سريان النص الجنائي من حيث الزمان. وهذه المشكلة تثور بالنسبة للنص الجنائي موضوعيا كان أو شكليا، فالنصوص الموضوعية هي التي تقرر الجرائم والعقوبات، والنصوص الشكلية هي التى تحدد الإجراءات التى تتبع فى الاستدلال والتحقيق والمحاكمة وتشكيل المحاكم الجنائية وتحديد اختصاصها؛ والنطاق الزمني للنص الجنائي تحكمه قاعدة عامة تسري على كافة النصوص القانونية، وهى قاعدة الأثر الفوري للنص القانوني وانعدام الأثر الرجعى له، لكن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ توجد حالات يسرى فيها النص الجنائي باثر رجعي. من أجل ذلك نتناول في هذه المقالة قاعدة الأثر الفورى، ثم نحدد مجال رجعية النصوص الجنائية.
مقالة ذات صلة: تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان – الأثر الفوري والرجعي لنص التجريم
النطاق المكاني للنص الجنائي
يتحدد النطاق المكاني للنص الجنائي طبقاً لمبدأ الاقليمية، ومقتضاه أن حدود تطبيق النص الجنائي هى حدود الإقليم الخاضع لسيادة الدولة، فالقانون الجنائي الأصل فيه ألا يطبق إلا فى داخل حدود إقليم الدولة، فلا يتعدى حدود هذا الإقليم الى ما يقع خارجه من جرائم؛ وقد أخذ القانون المصرى بمبدأ الاقليمية باعتباره أساس تحديد النطاق المكاني للنص الجنائي.
لكن هناك عدة عوامل تفرض الخروج على مبدأ الإقليمية، منها ضرورات التعاون الدولى فى مكافحة الاجرام الذي يتخذ مظهراً دوليا فى الوقت الحاضر، ومنها حرص كل دولة على تعقب الجرائم التي تشكل اعتداء على حق من حقوقها أو حقوق رعاياها، وما يتطلبه ذلك من ضرورة بسط سلطان القانون الجنائي للدولة على أنواع من الجرائم التى ترتكب خارج اقليمها، ومنها عدم السماح للمواطن مرتكب الجريمة فى الخارج بالإفلات من العقاب إذا لم يكن قد حوكم فى المكان الذى ارتكب جريمته فيه قبل أن يعود الى وطنه؛ وكل هذه العوامل فرضت على الدولة أن تتجاوز النطاق الإقليمي للقانون الجنائى، حماية لكيانها ومصالحها الجوهرية أو تضامنا منها مع غيرها من الدول فى مكافحة الإجرام باعتبار ذلك يحقق مصلحة مشتركة بين كافة الدول، وقد تمثل هذا التجاوز فى توسيع النطاق المكاني للقانون الجنائى، كى يشمل بعض الجرائم التى تقع فى خارج اقليم الدولة، تفادياً لما يمكن أن يترتب على الإقليمية المطلقة من نتائج غير مقبولة.
والأصل ان قانون العقوبات فى كل دولة هو الذي يحدد نطاق سريان النصوص الجنائية الوطنية، ولذلك فالقواعد المحددة لهذا النطاق هى قواعد وطنية تعد جزءاً من التشريع الجنائى الداخلي لكل دولة، ولو كان مصدرها الاتفاقات الدولية متى كان المشرع الوطنى قد أدرج مضمونها فى التشريع الداخلى؛ ولذلك لا توجد فى الوقت الحاضر قواعد دولية موحدة تحدد النطاق المكاني لسريان القانون الجنائى، فقواعد النطاق المكاني لسريان القانون الجنائى تختلف من دولة الى أخرى، وما قد تتقيد به الدولة من قواعد الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الإجرام الدولي، لا يكون مصدر إلزامه القاعدة الدولية مباشرة، وإنما مصدر الالتزام به هو إدراج هذه القاعدة فى التشريع الوطنى باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القانون الجنائي الداخلي لكل دولة.
وإذا كانت التشريعات الحديثة تتفاوت فى مدى الاستثناءات التى تدخلها على مبدأ إقليمية القانون الجنائى، إلا أن المبدأ ذاته لا خلاف عليه، وهو أساس تحديد النطاق المكاني لسريان القانون الجنائي فى التشريعات الجنائية الحديثة، وقد تبناه القانون الفرنسى والقانون المصرى باعتباره المبدأ الأساسى أو الأصلى فى هذا الخصوص، رغم اختلاف كل من القانونين فى مدى الخروج عليه؛ فاقليمية القانون الجنائى ليست مطلقة، وإنما تقيدها بعض المبادئ المكملة لها، والتى تعتبر بمثابة استثناءات على المبدأ الأساسى أو مبادئ احتياطية تخفف من جمود المبدأ الأصلى وتكمله.
مقالة ذات صلة: تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان – مبدأ إقليمية القانون الجنائي
المصادر
- المبادئ العامة في قانون العقوبات، دكتورعلي حسين الخلف والدكتور سلطان عبد القادر الشاوي
- الاحكام العامة في قانون العقوبات الفلسطيني، الجزء الاول، الدكتور طارق محمد الديراوي
- القانون الجنائي العام، الدكتور فرح القيصر، مركز النشر الجامعي، سوسة تونس.
- أصول قانون العقوبات، الدكتور محمود محمود مصطفي، دار النهضة العربية
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات،شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.