يسأل الكثير من الأصدقاء عن مفهوم الدولة المدنية، وما هي الدولة المدنية؟، ولذلك خصصنا تلك المقالة لهذا الموضوع؛ وقمنا في بداية المقالة بتوضيح تعريف الدولة ثم تعريف الدولة الحديثة، ثم تناولنا بالتفصيل الدولة المدنية، ثم ألقينا الضوء على تعريف العلمانية، وعلى علاقة الدولة المدنية بالعلمانية.
تعريف الدولة
توجد تعريفات كثيرة جدا للدولة ولا يوجد تعريف واحد متفق عليه، ويرى الفقيه السويسرى “بلتشيلى” أن الدولة هى جماعة مستقلة من الأفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينة بينهم طبقة حاكمة واخرى محكومة، ويعرف بطرس غالى الدولة بانها مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دانمة فى إقليم معين وتسيطر عليهم هينة منظمة استقر الناس على تسميتها بالحكومة، ويرى إبراهيم درويش بأن الدولة هى جماعة من المواطنين الذين يشغلون إقليماً محدد المعالم ومستقلا عن اى سلطان خارجى ويقوم عليه نظام سياسى له حق الطاعة والولاء من قبل الجماعة او على الأقل من اغلبيتهم.
ومن خلال استعراض المفاهيم السابقة للدولة يمكن القول بأن الدولة تعنى ذلك الشخص المعنوى الذى يرمز إلى مجموع شعب مستقر على إقليم معين حكاماً ومحكومين بحيث يكون لهذا الشخص المعنوى سلطة سياسية ذات سيادة.
مقالة ذات صلة: الدولة – تعريف الدولة واركان الدولة ووظيفتها
مصطلح الدولة الحديثة
الدولة الحديثة هي دولة يكون جميع المواطنين فيها سواء أمام القانون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ولا يوجد اي تمييز بينهم على اساس الدين او اللون او الجنس والدولة الحديثة يكون فيها رجال الدين والعسكريين ليس لديهم سلطات إضافية او يوجد ما يميزيهم في نظر القانون عن بقية المواطنين؛ والدولة الحديثة هي دولة الفصل بين السلطات الثلاث السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، والدولة الحديثة يكون أساس اختيار السلطة التشريعية ممثلة فى الهيئات البرلمانية والسلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء من الشعب بانتخابات حرة نزيهة، أما القضاء يفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وهو حامي الدستور عن طريق المحكمة الدستورية العليا او مجلس القضاء الأعلي.
ويحدد الدستور الذي يوافق عليه الشعب فى انتخابات نزيهة فى الدولة الحديثة كيفية اختيار القضاة وخصوصا قضاة المحكة العليا او مجلس القضاء الأعلي – يختلف الاسم من بلد لأخر- وفى الدول الحديثة يتم تعيين قضاة المحكمة العليا او مجلس الأعلى للقضاء عن طريق السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية او عن طريق السلطتين معاً، وعند حدوث اى خلاف علي فهم الدستور او تفسيره او حدود كل سلطة من السلطات الثلاث السابق توضيحها بالأعلى يتم اللجوء الي المحكمة الدستورية العليا او مجلس القضاء الأعلي.
فالدولة الحديثة هي دولة المؤسسات ودولة الفصل بين السلطات وهي دولة سيادة القانون وهي دولة تقوم على أساس المساواة والمواطنة حيث لا يشترط فيمن يتولى اي منصب أن يكون رجلا أو أمرأة، أو من أصحاب دين معين، او من توجه سياسي معين.
الدولة المدنية
تتعدد أسماء الدولة التي ترد في الخطاب السياسي الإسلامي: الدولة الدينية، دولة الخلافة، الدولة الإسلامية، الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، ويعد تعدد الأسماء دليلا على عدم وضوح المسمى، وعلي لجوء خطاب الإسلامي السياسي إلى خلق توصيفات وأسماء للشيء قبل وجوده، مع أن المنطق يفترض تشكل الظاهرة ثم وضع توصيف لها يعكس مكوناتها، كما تستخدم غالبية الكتابات مصطلح “دولة مدنية”، مع أنه لا وجود له في العلوم السياسية التي لا تعرف غير مصطلح “المجتمع المدني” وهو مجموعة المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التي تُظهر مصالح وإرادة المواطنين عن طريق الانشطة التي تمارسها وهذة المنظمات تكون مستقلة عن الحكومة.
ومع أن كلمة مدنية أيضا ليست عربية، لا نشأة ولا ثقافة، لأنها نتجت في العموم من كتابات رفاعة الطهطاوي واضع مصطلح “الحقوق المدنية”، ومحمد عبده في تأكيده علي مدنية السلطة في الإسلام وأن الخليفة حاكم مدني، والكاتب رفيق العظم في”البيان في التمدن وأسباب العمران”.
مقالة ذات صلة: الثيوقراطية – تعريفها وسماتها ومزاياها وعيوبها وأمثلة عليها
تعريف الدولة المدنية
توجد تعريفات ومعاني متعددة للدولة المدنية Civil State ومن بينها ان الدولة متمدنة متحضرة ومن ضمن المعاني المقصودة أيضاً بالدولة المدنية أنها ليست عسكرية؛ وغالبا يكون المقصود هو فصل الدين عن الدولة بمعني ان الدولة المدنية المقصود منها هو الدولة العلمانية، والدولة المدنية هي الدولة المبنية علي أسس ديمقراطية، ويتم تداول السلطة فيها بشكل سلمي يقوم على الانتخاب والتفويض، وجميع المواطنون متساوين بصرف النظر عن الدين، أو اللغة، فلا أحد فيها فوق القانون، ويُنظر حتى إلى رجال الدين وأفراد الجيش كمواطنين عاديين لا يملكون أية سلطات إضافية في الحكم أو التشريع.
وللعلم مصطلح الدولة المدنية غير موجود فى كتب علم السياسة الأجنبية والموجود فقط هو المجتمع المدني والدولة العلمانية، اما من يتكلم عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية فهو مصطلح ليس عليه انفاق قى التعريف ولا فى حدود المرجعية ولا فى الجهة التي سيتم العودة اليها عند الاختلاف فى تفسير الدين وانصحك بالعودة الي هذة المقالة المنفصلة بعنوان مفهوم الدولة فى الإسلام – الإسلام والدولة الدينية
يسأل الكثير من الأصدقاء عن الفرق بين الدولة المدنية والعلمانية؟، ولذلك سنوضح في السطور القادمة تعريف العلمانية ومبادئها، وبعد ذلك سنوضح حقيقة هذا الفرق.
تعريف العلمانية
العلمانية مشتقة من العالمية بمعني حكم العالم نفسه بنفسه دون تدخل السماء، اما فى اللغة الإنجليزية Secularism تعني الادينية او الدنيوية؛ والعلمانية هي فصل الدين عن الدولة (السياسة) وان تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان والأفكار، والعلمانية لا تعني الإلحاد او إجبار الأفراد على عدم التدين ولكن معناها ان التدين والإلحاد شأن خاص بالفرد ولا يجوز للدولة أن تتبنى وجهة نظر دينية او أن تجبر الأفراد على ممارسة الشعائر الدينية او عدم ممارستها ولا يجوز ان يحصل مواطن على معاملة خاصة بسبب اعتناقه دين معين أو فكرة معينة فالجميع متساوون امام القانون.
مبادئ العلمانية
إن مبادئ العلمانية التي تحمي وتدعم العديد من الحريات فى الدول الحديثة اليوم هي:
- فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة والمجال العام، فيمكن أن يشارك الدين فى المجال العام (الحيز العام) دون أن يهيمن.
- حرية ممارسة المرء لعقيدته أو معتقده دون الإضرار بالآخرين، وحرية تغييره أو عدم امتلاك دين ، وفقاً لضميره.
- المساواة بحيث لا تضع معتقداتنا الدينية أو عدم وجودها أي شحص فى ميزة أو ضرر.
من السطور السابقة اتضح ان الدولة الحديثة بطبيعتها علمانية حيث انها لا تفرق بين المواطنين علي اساس دينهم او لونهم او معتقداتهم الفكرية، والدولة الحديثة بطبيعتها مدنية وان المدنية تعني العلمانية، وعلمانية الدولة لا تعني بالضرورة علمانية المجتمع، فمثلاً فى كندا وامريكا يمارس المسلمين طقوسهم الدينية بحرية ويتم انتخاب المسلمين للمناصب السياسية ويتعاملون أمام القانون سواسية مثلهم مثل باقي المواطنين الآخرين مع انهم أقلية مسلمة؛ وسيقول البعض انظر لما يحدث في فرنسا ومنع الحجاب فى المدارس او اي من الامور الاخري سأقول له نحن ناقشنا هذة النقطة وغيرها فى مقالة منفصلة بعنوان العلمانية – تعريفها ونشأتها ومبادئها وأنواعها وأمثلة عليها
الإسلام والعلمانية
ولما كان الدين بوصفه مقدسا لا يقبل بطبعه التجزئة أو التنازل عن بعضه فمن الصعب دمجه في التفاوض السياسي الذي يستلزم المراوغة حينا والتنازل عن شيء وربما أشياء أحيانا أخرى، وهو ما يلتقي مع جوهر العملية السياسية التي تقوم على فن الممكن، وتحتم التنازل عن بعض المصالح والأهداف الخاصة بغية تحقيق المصالح المشتركة والأهداف الجامعة وصولاً إلى أعلى قدر من الاستقرار والسلم المجتمعي.
وبعد ما شاهدناه فيما يعرف بالربيع العربي من توترات وانقسامات، وحروب أهلية بسبب التمذهب، والانتصار للرأي الديني الواحد، واستغلال الدين من قبل الأحزاب الإسلامية وسيلة لامتلاك السلطة، وما يرتبط بذلك من أهداف سياسية يوظف الدين فيها باعثاً على التقاتل والتناحر، بعد ذلك كله لم يعد مقنعاً ذلك الادعاء بأن الغرب احتاج للعلمنة نظرا لممارسات الكنيسة، وما ترتب عليها من حروب دينية طاحنة، أما العالم الإسلامي قليس في حاجة لهذه العلمنة لأنه لم يمر بالتجربة نفسها.
مقومات الدولة المدنية
1. المساواة
الدولة المدنية يتساوي فيها الجميع أمام القانون فى الحقوق والواجبات، فمثلاً لا يوجد فرق بين مواطن مسلم او مسيحي او سني او شيعي، الدولة فالأساس هو المواطنة؛ والمساواة المقصود بها مساواة حقيقية بمعنى ان تكون شهادة المرأة والرجل والمسلم والمسيحي أمام القضاء متساوية، وان يكون ما تحصل عليه المرأة نظير العمل مثل ما يحصل عليه الرجل فلا تفرقة بينهما.
2. الفصل بين السلطات
الفصل بين السُلطات هو الوسيلة التي تضمَن تحقيق التوازنِ بين السُلطات الرئيسية داخل الدولة، وهي السلطة التشريعيّة، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائيّة، فيساعد في منعِ تداخل عمل هذه السلطات مع بعضها البعض، ويضمن استقلالية كُلٍ منها.
3. الديمقراطية
الديمقراطية هي ايدلوجيا وليست نظام حكم، فالديمقراطية فكرة معناها حكم الشعب بنفسه أما الديمقراطية بمفهومها الحديث هي الديمقراطية الليبرالية؛ والديمقراطية الليبرالية تختلف عن الديمقراطية الاشتراكية.
ولكي تكون الدولة ديمقراطية يجب ان تكون القيم الديمقراطية موجودة من اول الفرد ثم الأسرة ثم القرية ثم المجتمع كله، والديمقراطية تساعد علي ان يكون هيكل الدولة كله معبرا عن رغبات الشعب وتطلعاته، فالديمقراطية تعني التداول السلمي للسلطة وان الشعب قادر علي اختيار ممثليه في انتخابات نزيهة، وان السلطات السياسية ممثلة لإرادة الشعب.
مقالة ذات صلة: الديمقراطية: تعريفها، أهميتها، أنواعها، مبادئها، مميزاتها ،عيوبها
4. حياد مؤسسات الدولة
يجب ان تكون مؤسسات الدولة على الحياد بين جميع الأديان وبين جميع الأفكار ولا تتبني الدولة وجهة نظر معينة فى تفسير الدين، وبالطبع يجب ان لا تكون سلطات الدولة متمثلة فى شخص او فى فكرة (شخصنة السلطة).
فى النهاية آخر نقطة انت من ستضيفها فى التعليقات، شارك غيرك ولا تقرأ وترحل.